ماذا أقول وقد رأيت معلمي..
في مطعم الحمراء يعمل طاهياً
يا ليتني ما عشت يوماً كي أرى..
من قادنا للسعد أصبح باكياً
أن كنت تسأل عن وجودي هاهنا..
فالوضع أصبح للإجابة كافيا
قطعوا الرواتب يا بني وحالنا..
قد زاد سوأ بعد سوأ خافيا
هكذا رتلها الطالب سامي أمين عندما رأى معلمه وقدوته في الحياة، معلم المجد ومنور العقل يعمل طاهياً في أحد مطاعم العاصمة صنعاء بعد أن توقف راتبه، الذي يمثل دخله الوحيد ويعول أسرته به.
ومما لا شك فيه، أن انقطاع الرواتب منذ خمسة أشهر أفقد توازن الكثير من الأسر اليمنية وعلى وجه الخصوص قطاع التعليم، فوحده المعلم المغلوب على أمره في هذه البلاد، ناهيك عن مرتبه الذي لا يكفي لسد حاجته وحاجة أطفاله، من متطلبات الحياة الصعبة والتي تشتد يوما بعد يوم.
وقد جاء ارتفاع الدولار مؤخرا، كالقشة التي قصمت ظهر البعير، فلم يشهد المعلم زمناً مضى أشد عليه من هذه الفترة الصعبة التي وجد نفسه فيها، خالي اليدين، فارغ الجيب، حتى من بضعة ريالات تكفي لسد حاجة أطفاله من الجوع، ووجد نفسه أمام معركة صعبة تشن عليه من صاحب البيت ومن البقال والجزار والخباز... ووجد نفسه بين قاب قوسين أو أدنى من ذلك، فتلك الشهائد والأوسمة والأدرع التي أفنى عمره يتعب عليها ويفتخر بها لم تعد سوى ديكور منزلي يزين جدران المنزل لا أكثر.
في ظل هذه الظروف، وجد المعلم، نفسه يترك قوانين الفيزياء والرياضيات علوم الحاسوب وجيولوجيا الحياة ليشارك في معركة الحياة ليصارع من اجل يعود إلى منزله يحمل خبرا وزيتاً لا أن يحمل كتابا كعادته.
ينزلق التعليم في هاوية المجهول بعد انقطاع الكثير من المدرسين عن التعليم، ناهيك عن أساتذة الجامعات فالعديد من الكليات، قد خلت من أساتذتها وبروفسوراتها، منهم من ضاق بهم الحال، فقرروا الهجرة إلى بلد يحترم فيه قيمة المعلم المقدسة ومنهم من نزل إلى الشارع، بعد أن انخفضت قيمة المعلم وكرامته في بلد لم يعد لشيء فيه قيمة كقيمة المال. لم تعد تلك الشهائد وذلك التحصيل العلمي يسدي نفعاً، كما تقول أم أحمد عندما وجهت اليها، سؤالا عن سبب انقطاع أبنائها عن التعليم، وترد بحزن يملأ عينيها "ما فائدة الدراسة فبعد ان انقطع مرتب زوجي المتوفي لم نجد ما يسد حاجتنا ولم يجد أبنائي المال الكافي لسد متطلبات الدراسة فقررت أن يتركوا الدراسة وهم الآن يعملون في إحدى الورش"، وتردف بتعجب "ما فائدة التعليم فها هو جارنا المعلم يشتغل سواق باص؟!".
لم تكن أم أحمد، مخطئة فهاهو أحد أستاذة الجامعة والحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة بروفيسور في جامعة الحديدة يعمل حالياً خبازاً في الحديدة كي يعول وينفق على أطفاله بسبب انقطاع الرواتب منذ عام 2016.
وهي أمثلة، محدودة، في واقع مليء بالشواهد، التي تعكس كارثية الوضع الذي وصلت إليه البلاد، بما يتعلق بالتعليم على وجه خاص.