أُستشهد اللواء أحمد سيف اليافعي، وآلمني رحيله جداً، لا يهم كيف استشهد، أو من يقف خلف استشهاده، لأنه حمل كفنه على كفه ونذر حياته لوطنه وقضيته، وكان يدرك أنه يواجه الموت، ولم يثنه ذلك ولم يزعزعه،مات وهو على مبدأ ووطنية،وقبله كُثر من هامات ورجالات الجنوب استشهدوا بذات الطريقة وربما تنوعت وتعددت الطرق،وكلهم لذات الهدف وذات الشيء وهبوا أرواحهم رخيصة دون مقابل..
قوافل من الرجال تمضي، وتلحقها أخرى من أجل حُلم هذا الشعب المسحوق، وتطلعات البسطاء الذين خرجوا لله أولاً، ثم لدينهم وأرضهم وعرضهم، لا من أجل المناصب والأموال والأهواء والولاءات والأحزاب،كان حلمهم وطنٌ أسمه (الجنوب)، وقبلتهم هو، وغايتهم التي يتوقون لتحقيقها..
ذهب الرجال والأفذاذ والأبطال الواحد تلو الآخر، وآلمنا رحيلهم، بل أبكانا، ذهبوا من أجلنا نحن، من أجل تراب هذه الأرض التي تتناوحها المحن والمصائب والمشاكل والنكبات، وتعصف بها الولاءات الضيقة والحزبيات، وكان جل همهم هو أن يسموا هذا الوطن ويرتقي ويتحرر من براثن المحتل الداخلي قبل الخارجي..
ظن هؤلاء الرجال والأبطال أن هناك من سيكمل مشوار نضالهم وتضحياته ويسير بسفينة الوطن إلى بر الأمان، ولكن! ليتهم يعلمون ما صنع المرتزقة والعملاء والخونة من بعدهم، ليتهم يعلمون كيف تناحروا، كيف تباغضوا، كيف اقتتلوا، كيف أصبحوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون ،وكيف تشظى الوطن وبات على صفيح ساخن،يحكمه قُطعان من الأغنام،وثلة من الفاسدين والمخربين..
ليت من سقطوا في ميادين البطولة والإباء وساحات النضال والتحدي يعلمون كيف غدى وطني الجنوب ساحة للاحتراب والاقتتال والفوضى والعبثية والهمجية، ليتهم يعلمون أن من يغرز الخناجر في خاصرة وطني هم أبناؤه، وأن من يعبثون بمصالحه هم أبناؤه، وأن من ينهبون ثرواته وخيراته هم أبناؤهم...
ليتهم يعلمون أن أولئك الثوار والأبطال ممن خرجوا في مطلع ثورة الاستقلال تحولوا إلى (وحوش) كاسرة ينهشون في جسد أخوانهم، وهوامير للفساد والإفساد، ومطية وإمعة بيد من أشتروا (ذممهم) وأخلاقهم ومبادئهم مقابل ريالات لا تسمن ولا تغني من جوع،حتى أضحى الوطن والاستقلال (حُلم) يرقد في جنبات المحال..
ليتهم يعلمون أننا أصبحنا جماعات وأشلاء وأجزاء، تحكمنا المناطقية والجهوية والحزبية المقيتة والولاءات الضيقة،وبات بأسنا بيننا شديد، حتى بات الواحد منا يسير خائف وجل يترقب، فبادت روح التلاحم والتراحم والتآخي والتعاضد والتماسك، وغدت شعاراتنا (جوفا) خالية من المضامين..
ليتهم يعلمون أن دماءهم التي أُهدرت، وأرواحهم التي أُزهقت تناساها الجميع بعد أن وُوريت جثامينهم الثرى، وفي ليلة وضحاها أصبحوا مجرد صور معلقة في الشوارع وأسطح المباني وماضٍ تولى ولن يعود،ؤوأن من توسموا فيهم خيراً باتوا (كالزبد) لا فائدة ترجى فيهم..
ليتهم يعلمون أننا بتنا نتخبط ونبحث عن مخرج مما نحن فيه،ؤولم يعد ذلك الحلم يسكننا،ؤفالمرتزقة والخونة والعملاء والمتفيدون (كسيل) عرمرم جرفوا أحلامنا وتطلعاتنا وأمنياتنا التي جاشت بها صدورنا..