معجم "المعاني الجامع" عرّف عتمة بأنها الثُّلثُ الأَوَّل من اللَّيل بعد غيبوبة الشَّفق وفي اليمن كانت منطقة عتمة هي الثلث الأخير من الليل الذي يتهيأ فيه الإنسان لاستقبال ضوء الفجر الساطع.
هكذا كانت ومازالت عتمة وهي تواجه آلة القتل الحوثية، وبالرغم من موقعها الجغرافي الذي تحاصره الميليشيات الانقلابية من كل زاوية، وتتمدد فيه قوى الانقلاب في كل الاتجاهات المجاورة، إلا أن التاريخ لم يسجل يوماً أن حراً قد تنازل عن حريته أو تراجع عنها قيد أنملة نتيجة لقوة خصمه أو الظروف المحيطة به، وهكذا هو الحل في عتمة، يمانيون أحرار لم يقبلوا بمرور الظلمة من أراضيهم، فحملوا بنادقهم على الأكتاف وأرواحهم على الأكف، وتصدوا ببسالة وشجاعة للزحف الانقلابي نحو منطقتهم، فسطروا ملاحم بطولية مرغوا فيها أنوف الانقلابيين ولقنوهم درساً قاسياً، وأثبتوا فيه لكل يمني أن الكرامة والعزة تنتصر على الذل والهوان وأن الميليشيات الانقلابية تعيش مرحلة ما قبل السقوط الأخير.
الانتصارات الكبيرة التي حققتها قوات الجيش الوطني والمقاومة بالسيطرة على ميناء ومدينة المخا والتحضيرات الجارية لتحرير ما تبقى من مناطق الساحل الغربي وصولاً للحديدة وسواحل حجة، دفعت الميليشيات الانقلابية لمحاولة السيطرة على منطقة عتمة والمناطق المجاورة لها، لاستغلال مرتفعاتها الشاهقة لتكون منصات لإطلاق الصواريخ الباليستية، واستهداف قوات الجيش الوطني والمقاومة في مناطق الساحل الغربي، لكن محاولاتهم باءت وستبوء بالفشل، فأبطال ورجال عتمة وقفوا بالمرصاد للميليشيات الانقلابية، وفي الوهلة الأولى للمواجهات قتل وجرح العشرات من مسلحي الحوثيين وأسر العشرات، وتمكنت المقاومة من إحكام سيطرتها على كل المرتفعات التي حاولت الميليشيا الوصول إليها عبر التجمع في سوق الثلوث ومحاولة التقدم نحو جبهة حيفان وجبهة المهلالة.
الميليشيات الانقلابية وعقب خسائرها الكبيرة في المواجهات، ذهبت وكما هي عادتها دوماً للانتقام من المدنيين عبر إطلاق وابل من قذائف الدبابات والمعدلات الثقيلة باتجاه منازل المواطنين، في محاولة لكسر شوكة المقاومة واستخدام الأطفال والنساء كورقة رابحة لتحقيق المبتغى بالسيطرة على المنطقة دون جدوى.
تعيش الميليشيات الانقلابية وضعاً متأزماً فالقوات الشرعية، باتت تسيطر على كل المواقع والمناطق الإستراتيجية من سواحل حضرموت حتى خليج عدن وميناء المخا، مروراً بسواحل ميدي في حجة، وعلى الأرض أصبحت القوات الشرعية على تخوم صنعاء وصعدة، وهاهم الأحرار في مناطق سيطرة الميليشيا ينتفضون ضد قوى الانقلاب، ومن وسط عتمة ينبلج ضوء الحرية، ليعلن عن قرب انطلاق ثورة شعبية عارمة تقتلع ما تبقى من جذور قوى الإمامة والاستبداد.