شاركت في حلقة نقاش حول استخدامات وسائل الاتصال الاجتماعي، وكان معدل أعمار الحاضرين الأربعين من العمر بسبب وجودي بينهم وإلا فإنه أقل من ذلك بقليل، وكان محور النقاش عن تأثيرات التطور في استخدام التقنية عند الشباب وفجوة انقطاع التواصل بين الأجيال، وكذلك التحول الذي تسببه في حياة الشباب وهويتهم.
اتفق أغلب المشاركين على أن الأثر الأكبر هو ازدواج شخصية المستخدم والاختلاف بين الأفكار التي يتناولها في الحوارات اليومية المباشرة، وتلك التي يظهر بها في وسائل الاتصال الاجتماعي مع التركيز على (الفيسبوك) باعتباره الوسيلة الأكثر استخداما عند الشباب العربي مؤخرا، والتي تتمتع بمعايير تأمين للمراسلات أكثر من غيرها مع وجود تطبيقات لمنح المزيد من الخصوصية واختيار المشاركين في الحوارات، وتطرق النقاش إلى البحث في استخدام عدد كبير من المستخدمين أما أسماء غير حقيقية أو استبدال للهوية، فتجد شابا يتنكر باسم شابة أو العكس بتأثير الرغبة في طمأنة الطرف الآخر وربما الحصول على ثقته أو ثقتها، وكانت المفاجأة في توقف عدد ولو قليل من الشباب عن استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي، لأنهم وجدوا هذه الوسائل سببا رئيسيا في الانقطاع الإنساني عن محيطهم إذ ينشغل الأغلب في الحوار والتراسل مع دوائر بعيدة عن محيطه المباشر، وقرروا الاكتفاء بالتواصل المباشر عبر الرسائل العادية أو الاتصال المباشر.
واقع الحال أنني لاحظت من خلال متابعة غير علمية لما يحدث بين المستخدمين في عدد من الدول العربية لوسائل الاتصال الاجتماعي وخصوصا الفيسبوك حدوث ظواهر لا أتصور أن السيد زوكيربرج وضعها في حسبانه عند توصله لهذا التطبيق المذهل، ومنها انتقاله من كونه وسيلة لتبادل الأفكار والرسائل حول قضايا اجتماعية إلى منصة لبث المزيد من الأكاذيب والكراهية والأفكار بل والشتائم، ورغم حدوث طفرة في الرقابة على مثل هذه التعبيرات إلا أن التحايل عليها صار ممكنا باستخدام الهويات المزيفة لتفادي العقوبات التقنية بحجب الحساب، وتعطيله نهائيا أو مؤقتا.
الملاحظة الثانية هي أن المستخدمين للفيسبوك خصوصاً في أحيان كثيرة يحملون هويتين مختلفتين تعبر عن حالة ازدواج للشخصية فتراهم يكتبون تعليقات ويروجون لأفكار وينشرون روايات تدعم مواقفهم الشخصية تجاه قضايا معينة دون التحقق من صحتها ولا اكتراث لتأثيراتها، بل إن البعض منهم يعبر عن نقيض ما يكتب في اللقاءات المباشرة غير المعلنة، ويقوم عدد منهم بالترويج لشخص ما من خلال المتابعة المكثفة لما ينشره فتزداد أعداد متابعيه وتصبح آراؤه مثيرة للجدل وقد يجدها من لا يعرف التفاصيل مصدراً للمعلومة والتحليل السليم وإن كانتا متناقضتين مع الحقيقة.
الملاحظة الثالثة هي أن أعداد المستخدمين لغير الفيسبوك أقل بكثير في حالة التغريدات بالذات وذلك بسبب محدودية عدد الكلمات التي يمكن استخدامها وعدم القدرة على نشر الصور والأهم من ذلك لأن مستوى تأمينه ليس كاملاً كما يقول عدد من المختصين، ويراها كثيرون ساحة "نخبوية" ، كما أن عددا من المتابعين لشخصية سياسية أو حتى فنية ورياضية يبدون إعجابهم بما يعرضه على صفحته فور ظهور منشوره حتى قبل الانتهاء من قراءته ما يشير إلى قضية غاية في الأهمية ومثيرة للانزعاج إذ تتحول كلمات هذا الشخص إلى مسلمات لا يتحقق منها القارئ ولا يراجع محتوياتها ودقة معلوماتها فتثير المزيد من الجدل حول القضايا العامة وربما تكون من نتائجها المباشرة تشويه السمعة ويتحول الحوار إلى تبادل للشتائم والقذف والتعريض الكاذب، لكنه قد يصير حقيقة يتم استخدامها في تقييم هذا الإنسان أو ذاك دونما التوقف إلى التمحيص في مصداقية الكاتب والغرض الحقيقي من كلماته.
الخلاصة هي أن الاستخدام المفرط لأغلب وسائل الاتصال الاجتماعي في أوقات كثيرة أصبح ساحة مفتوحة لا يستطيع أحد التحكم في مخرجاتها ولكن ربما يتم التقليل من آثارها والأمر هو في يد المستخدم المباشر ومدى وعيه ومقدار حرصه على الحقيقة، ولعل في دخول الرئيس ترامب إلى هذه الساحة ما يبرهن على خطورة الأمر وأهمية الالتفات والتثبت من مخرجاتها.