6 سنوات مرت، منذ خرج شباب اليمن في كل المحافظات إلى الساحات يهتفون -ببسالة وسلمية غير مسبوقة – للكرامة والحرية ويحلمون بيمن كريم ومستقر بين جيرانه وأهله بعد أن ضاقت بهم السبل وأغلقت الأبواب دون آمالهم في العدالة والمشاركة والبناء.
إننا إذ نراجع سجل الذكريات، نجد أن ثورة شباب اليمن في 2011م لم تأت من فراغ ولم تكن وليدة لحظتها ولا تقليداً شكلياً أو استنساخاً لثورة أو امتداداً لحدث خارجي، بل كانت نتيجة طبيعية ومخرجا اجباريا لليمنيين أرادوا من خلاله إنقاذ ما تبقى من بلادهم ومصيرهم وثرواتهم التي كانت تلعب بها أيادي الفساد والتدمير وصفقات التحالف المشبوهة مع الكيانات الإجرامية محلياً وإقليمياً.
جاءت انتفاضة اليمنيين في 2011 بعد أن وصلت البلاد إلى طريق مسدود، كانت تقارير المنظمات الدولية ومؤشرات الاقتصاد والتنمية تؤكد أن اليمن دولة على حافة الانهيار، وكانت العملية السياسية قد انسدت وتعذر إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها، وفشل الحوار السياسي الذي خاضته القوى السياسية سلطة ومعارضة، وكانت حركة الاحتجاج والسخط تتوسع كل يوم أكثر في المحافظات الجنوبية كما أن الجولات الدامية لحروب صعدة فاقمت الوضع المتأزم زاد منها الغموض والتواصل المريب الذي شاب العلاقة بين طرفين يفترض أن أحدهما دولة والآخر جماعة متمردة مرتبطة بكيانات وأنظمة مخابرات تهدد أمن اليمن المنطقة.
انتفض اليمنيون في 2011م لتكون انتفاضاتهم تلك امتداد لنضالاتهم التي لم تتوقف في محاولة إنقاذ البلاد، كانوا امتداداً أوسع للحراك الجنوبي الباسل الذي دشن النضال السلمي والحضاري، وتعبيرا شعبيا عن تطلعات النخب السياسية الشريفة والكيانات الطلابية والمدنية عموماً
خرج شباب الثورة في 2011م وهم يعتبرون أنفسهم امتدادا أصيلا وترجمة حية لتلك النضالات المتراكمة وكان يحدوهم الأمل نحو الأفضل، نحو الحياة الكريمة والأحلام التي ناضل اليمنيون لأجلها في محطات التاريخ المعاصر والتي عبثت بها الأيادي الطامعة وحولتها مشاريع شخصية، وفي مقدمة تلك النضالات الوحدة وثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، وكانت الأهداف الستة الخالدة للثورة نصب أعينهم.
رغم محاولة شباب اليمن الاستفادة من متغيرات واحتجاجات المنطقة حين انتفضوا، لكن ثورتهم كانت المخرج الوحيد لواقع البلاد، وكانت اليمن أكثر احتياجاً للتغيير من البلدان الأخرى، وحتى لو لم تكن الثورة فإن اليمن كانت على وشك الانهيار.
خرج شباب اليمن في جموع سلمية فاقت الخيال، وواجهها عصابة المخلوع بالقتل والقمع لكنها توسعت وأخذت دائرتها كل يوم تأخذ حجما اكبر، فانضمت إليهم القوى السياسية ثم أعلنت تأييدهم قطاعات واسعة من مؤسسات الدولة والمجتمع وفي بدايتها أحرار الجيش وضباطه الوطنيين، وكان العقلاء من القيادات الشريفة وفِي مقدمتهم فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي طيلة تلك الفترة ترقب مسارات الحركة الشعبية الواسعة بتقدير وإدراك وايجابية وحاول الخيرون تدارك الكارثة قدر الإمكان.
خلال فترة قصيرة أصبحت الثورة تمثل كل فئات الوطن ومكوناته ومناطقه وذلك اعتراف بعدالتها وضرورتها، ولم يكن المحيط العربي الشقيق بمعزل عن ما جرى في اليمن فكانت المبادرة الخليجية تعبير عن إدراك الأشقاء لما يجري في اليمن ومحاولة سياسية لتحقيق مطالب الثائرين العادلة والملحة يضمن عدم الانهيار الكبير.
وقع اليمنيون المبادرة الخليجية في صنعاء بداية، ثم اكتملت بالتوقيع عليها من كل الأطراف في عاصمة العروبة الرياض، عاصمة الإنقاذ والنصرة، وكان تعامل الثوار والقوى السياسية والاجتماعية والعسكرية المؤيدة لهم ايجابيا وواعيا، وأثبتت الأيام أن تلك الأصوات النشاز التي حاولت عرقلتها أو صرخت ضدها هي تحالف واحد تتمثل مصلحته في الالتفاف على إرادة اليمنيين وتغليب المصالح الضيقة، وركوب نضالات اليمنيين والتسلق عليها أو تشويهها، وانكشفت تلك النفوس الشريرة بشكل كامل أمام شعبنا والعالم مع اكتمال الانقلاب الذي شهدته البلاد في 21 سبتمبر 2014م ثم محاصرة رئيس الجمهورية في منزله بداية 2015 وصولاً إلى اجتياح البلاد.
ندرك ونؤمن أن هناك أماكن قصور وثغرات تقصير حصلت وتحصل وترافق أي عمل سياسي وإنساني أيضا، وأنها لفرصة أن أدعو شباب اليمن وثوارها الأحرار لتقييم الأحداث التي شهدتها البلاد منذ 2011 إلى الانقلاب وما تلاها من أحداث لا تزال مستمرة، ولا يمكن أن يمنح أحد نفسه أو غيره العصمة أو البراءة، لكننا نفخر أن فخامة رئيس الجمهورية وكل العقلاء، أشخاصاً ومؤسسات، قدمت كل التنازلات وحاولت بكل السبل تجنب الصدام الذي كان لا مفر منه، كما أننا نفخر أن قيادة الرئيس منذ اليوم الأول للتحول الذي اتجهت إليه البلاد كانت تحرص أن تكون في المربع الذي تقف فيه القوى الخيرة محلياً وإقليمياً وفي المقدمة أهلنا وأشقائنا في المملكة العربية السعودية، وذلك لإدراكنا أن اليمن جزء من أهلها ومحيطها وأمنها، فيما انكشف المزايدون الذين حاولوا جعل اليمن منصة حرب تستهدف المنطقة ومعسكر للثورة الخمينية تستهدف الجزيرة العربية والمنطقة عموماً.
أحداث كثيرة شهدتها البلاد حتى اليوم ولا تزال، وأهم ما يمكن قوله إن حركة التغيير وإرادة الشعب لا تزال ماضية في طريقها حتى تصل إلى بر الأمان.
لازال شعبنا وشبابه الأبطال يخوضون معركة الكرامة والدفاع عن اليمن والمنطقة بذات الحماس والبسالة، وما حققته البلاد حتى اليوم يؤكد أن إرادة الشعوب لا تقهر.
لازال شعبنا ماضياً بثبات نحو تحقيق طموحاته في بناء اليمن الجمهوري الاتحادي ودولته العادلة الضامنة، ومثلما فشلت جهود المخلوع ورصاصاته ومذابحه في كبح جماح الثائرين السلميين، ومثلما انهزمت الإمامة في مواجهة الأحرار فإنها اليوم ستنتصر في مواجهة حلفهما الإجرامي الذي غدا يهدد أمن اليمن والإقليم.
لكم كل إخواني وأخواتي رفاق الثورة وزملاء التغيير شباب اليمن الأحرار أجمل التهاني بذكرى ثورتنا، مزيداً من النضال والعطاء من أجل استعادة دولتكم وتحقيق الطموحات التي رسمتموها أمامكم، ثقوا أن النصر بات قريبا وأقرب مما تتصورون، معاً سنحتفل باكتمال نصر البلاد وهزيمة وفشل أعداءها ومن يقف وراءهم.
أنتم على موعد مع اليمن الذي تحلمون، اليمن الجمهوري الاتحادي الكبير، يمن العروبة والتاريخ والحضارة الفاعل والمبادر في تحقيق مجد الأمة وحماية امن المنطقة.
وإننا على ثقة مطلقة بأن قيادتنا السياسية الرشيدة هي معنا بل وتقود مسيرتنا لتحقق مشروعها العظيم في بناء اليمن الاتحادي الجديد، وقد كانت كذلك في أقساها وأحلكها، وسيكون معكم كل الشرفاء في البلاد، ومعكم العطاء العربي الكبير.
تحية لكل شباب اليمن وفتيانها ومواطنيها، وتحية خاصة عبر هذا المنبر لأهلنا في مأرب الذين يحتفلون بالثورة ويرسمونها في الجبهات، التحية إلى مأرب وأهلها ودورها النضالي المقاوم وتاريخها اليعربي العريق، التحية لكل اليمنيين في مأرب والتحية للأشقاء من أبطال التحالف العربي الذين لن ينسى التاريخ نضالهم ونجدتهم لبلدهم وموطن حضارتهم الأول وفِي مقدمتهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وباقي دول التحالف العربي.
كل عام وأنتم وثورتكم ووطنكم وأمتكم في نصر ومجد والخزي لأعداء الأمة وأذنابهم.
الرحمة والخلود للشهداء.. الشفاء للجرحى.. الحرية للأسرى.. النصر للمرابطين الأبطال.
*مدير مكتب رئيس الجمهورية