يحتفي كثير من العرب بترامب، خصوصاً في الخليج، لأنه يتبنى سياسة حادة إزاء إيران. بالطبع، أنتجت سياسات إيران العدوانية في المنطقة كراهية عمياء، والطابع العدواني لنظام الملالي ناتج عن عمى الإرادة ذات البعد الشوفيني القومي لماضي إمبراطوري بعيد، مزين بنغمة الاكليروس الطائفي الديني، حتى أن التشيع تحوّل إلى جزء من المفهوم القومي الإيراني.
لكن ترامب لن يعمل على إزالة النظام الإيراني، ولن يدعم الأصوات المنفتحة في إيران والقابلة للعيش في وفاق مع محيطها.. إنه لون من الكابوس الشرق أوسطي الرهيب، لإشعال فتيل أكثر دوياً ودموية، التدخل الأميركي في العراق ساهم في دفع الصراعات الطائفية.. لطالما ساهمت تلك السياسات في تعزيز التطرف.
إنها معادلة متلازمة، سيتم استخدام إيران لتمزيق المنطقة وسيتم استخدام العرب لنفس الأمر.. في تصوري أن السياسة الإيرانية أقامتها ذهنية مريضة، موروث الملالي الديني والمرضي والمحصور بغيبيات اليقين. ثم النظرة الطافحة بالحقد على العرب، ومصطبغ بكراهية الانتقام من تهديمهم الحضارة الفارسية.. مع أن الحضارات تتهدم من الداخل..
وعندما فتح العرب البدائيون فارس، كانت مملكة متفسخة، وفي شقاق مع مجتمعها، لهذا دخل كثير منهم في الإسلام. وبقي شمال إيران، وهي المناطق التي فيها ترتفع النزعة الفارسية، آخر من دخلوا في الإسلام.. كما أن الملك الساساني قُتل من أحد العوام.
وهي القراءة الطبيعية لانحسار الإمبراطوريات، كما حدث للعرب أنفسهم، عندما اكتسحهم الأتراك ثم المغول، ثم الأتراك مجدداً، لكن إيران اليوم تنظر لنفسها وفق هذا الإرث المُتخيل والغريب عن الحاضر: أولاً استعادة الدولة الفارسية العظيمة، ثم تدمير العرب.. مع أن تجاورهما وثقافتهما المشتركة تستطيع استعادة مزيج من التعايش الفعال في الحضارة الإنسانية.. لم تكن سياسة الشاه ايجابية اتجاه العرب، لكن نظامه لم يتعرض لحقد جزء كبير من العرب. وكانت النقمة منه مأخوذة بمفاهيم التحرر باعتباره نظام شرطي أميركا في المنطقة، ثم لاستبداده. لم يكن العداء يطفح بالشوفينية الطائفية، أو استعداء المجتمع الإيراني ككل.. نظام الملالي عزل المجتمع الإيراني عن محيطه وعن العالم.
عدونا ليس الإيراني كانسان، أو كمجتمع، بل النظام، ثم نحن ندرك أن قطاعاً واسعاً من الإيرانيين واقعون تحت تأثير التعبئة الجمعية. ترامب لن يشعل حرباً مع إيران، ربما يحاصرها أكثر، يقص أذرعها، ثم ستتخذ المعادلة جهدا تراكميا، سيعود بأثره على العرب أنفسهم؛ سيتم استنفاذ دول الخليج أيضاً، بتلك الحروب.
سيتم تحطيمنا بالقاعدة والمنظمات الإرهابية، وتفكيك الأنسجة الاجتماعية.. العرب فرحون، لكنهم سيعيشون نفس المهزلة الدامية؛ بل هم الجزء الأكثر وضوحاً.