يموت ٤٥٠ مواطناً سنوياً بسبب السقوط من السرير، ستة آلاف أميركي يلقون حتفهم سنوياً بسبب استخدام الهواتف المحمولة أثناء القيادة، قٌتل ١٦٥ ألفاً من الأميركيين على أيدي مواطنين أميركيين آخرين، ورُبع مليون أميركي ينهون حياتهم من تلقاء أنفسهم كل عام .
تقتل الأخطاء الطبية وتدني الخدمات الصحية المقدمة في الولايات المتحدة 250 ألف أميركي كل عام، التوترات العرقية تهدد الحلم الأميركي وليس اليمنيون أو السوريون أو العراقيون .
أكثر من ذلك، تتسبب السياسات الخارجية والقرارات السيئة، أو المتحيزة التي تتخذها الإدارات الأميركية المتعاقبة، في الإضرار بالأميركيين أكثر مما يفعله أي إرهابي، يتحدث نعوم تشومسكي بوضوح عما أسماه الحماقات الخارجية للولايات المتحدة، فبحسب تشومسكي فإن داعش جاءت من غزو أميركا للعراق، ذلك الغزو الذي دمر بلداً كاملاً وحرض على الصراع الطائفي وتركه منهكاً ومنقسماً كما لم يحدث من قبل.
وعوضاً عن البحث عن "حقائق" واتخاذها مساراً وأسلوباً لتبني قرارات أكثر حكمة، راحت إدارة "الحقائق البديلة" ترسم صورة مخيفة ومذهلة لعالم ترامب وما بعد ترامب، فمن عبارة "سنسجل أسماءهم"التي أذاعتها نيكي هالي" سفيرة أميركا لدى الأمم المتحددة في معرض حديثها عن معارضي بلدها في المنظمة الأممية ، إلى "هذه مجرد بداية" تلك الجملة التي نطقت بها مستشارة ترامب كيليان كونواي في معرض حديثها عن كل الإجراءات الحادة والمقلقة التي اتخذها ترامب خلال أيامه الأولى في البيت الأبيض، وهي أشياء توضح بجلاء وترسم بوضوح عن أي رجل سيتعامل معه العالم في السنوات الأربع المقبلة .
وُلِد ترامب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ويبدو أنه لن يموت إلا بعد أن يشعل فتيل حرب عالمية ثالثة. هكذا يريد الرئيس "الأكبر سناً والأثقل وزناً" أن يفعل، ولا يمكننا الاستمرار في دفن رؤوسنا في رمال السخرية الساذجة من الرجل ، فكل الحكام الذين جاءوا بالكوارث لهذا العالم وصفهم الناس بالسذج واستهتروا بأطروحات الكراهية التي يسوقونها، وفي هذا السياق يُعوّل فرانسيس فوكاياما إلى حد ما على قوة المؤسسات الأميركية في التصدي للسياسات الشعبوية التي جاء بها ترامب .
"أميركا أقل أمناً" هكذا أكد واحد وثلاثون بالمائة من الشعب الأميركي تعليقاً على ما إذا كان فرض إدارة ترامب حظراً على دخول رعايا ست دول إسلامية سيجعل أميركا دولة آمنة، فرح بانديث المسئولة السابقة في شؤون الأمن القومي خلال إدارتَيْ جورج بوش وأوباما قالت إن القرارات الأخيرة التي اتخذها ترامب لن تجعل الولايات المتحدة أكثر أمناً.
المهاجرون والأجانب ليسوا أسباباً رئيسية لضمور الحلم الأميركي، لم يقتل يمني واحد أي أميركي بفعل عمل إرهابي، لم نقوض اقتصاد أحد ولم نزعزع أمن بلد، وإذ يرى الجمهوريون أن المهاجرين خطر داهم من الناحية السياسية فإنهم يروجون سياساتهم إزاء الهجرة بإحياء الخوف والكراهية في نفوس الأميركيين، والأرقام المتوفرة توضح جلياً إسهامات المهاجرين في بناء قوة أميركا العظمى.
وبحسب الخارجية الأميركية، فإن أربعين بالمائة من شركات التقنية المتقدمة الأميركية أنشأها مهاجرون أو أبناء مهاجرين .
بناء الجدران ليس وسيلة جيدة لتحسين الاقتصاد، والعزلة ليست خياراً حكيماً لمعالجة المشكلات، تبنّي العنف كطريقة وحيدة لحل الأزمات هو أكثر الخيارات سوءاًوتهوراً. الأسوأ من ذلك أن تكون الكراهية هي عنوان سكنك ، أين تسكن؟ أنا أعيش في بيت الكراهية ومنها أتغذى .
وهذا هو السيد ترامب، أو على الأقل هذا ما يفعله، فبعد أقل من ٢٤ ساعة على قراره حظر رعايا ست دول إسلامية من دخول أميركا قُتل ستة أشخاص في تفجير استهدف مسجد كيبيك في كندا. للكراهية قدرة رهيبة على الانتقال السريع والتفشي عبر الكون كله .
قبل أيام قليلة، أعطى ترامب موافقته لشن عملية عسكرية في الأرض اليمنية، تحديداً في قرية يكلا بالبيضاء، كان الهدف إرهابياً واحداً، وحين انتهت العملية برمتها كان لدينا إرهابي ميت وعشرون مدنياً بين قتيل وجريح ، مات إرهابي واحد ليخلفه ألف إرهابي ناقم ، فأي محاربة للإرهاب هذه .
كان تشوماسكي واضحاً وعميقاً وهو يتحدث للنخب الحاكمة عن الأضرار الكبيرة والمدمرة لخيار استخدام العنف في محاربة الإرهاب بشكل خاص أو في السعي لتحقيق أمن الولايات المتحدة ، مفضلاً إيجاد إستراتيجية تراعي ظروف ونشأة المجتمعات التي يأتي أو يعيش فيها الإرهابيون . لم تكن أميركا يوماً أمة خائفة، في أقسى حالاتها تكون أمة حزينة أو تائهة، أو قلقة، أمة تعاني، وجاء ترامب ليجعل من "أميركا أولاً" بلداً خائفاً ومرتعباً، منحت إدارة "الحقائق البديلة" الأميركيين مزيداً من الخوف كعلاج للخوف، تماماً كالمشهد الختامي في المسلسل الأميركي "House of Cards" حين يعلن الرئيس الأميركي، الذي يؤدي دوره الممثل كيفين سبيسي: نحن لا نخضع للإرهاب.. نحن نصنعه .