تقترب الحرب اليمنية من نهاية عامها الثاني ولا شك أن موازين القوى على الأرض قد تبدلت ولم يعد للانقلابيين القدرة على التمدد، وتقلصت المساحات التي يسيطرون عليها مقارنة ببدايات تحركهم المسلح السريع من صعدة إلى صنعاء عبر عمران ثم الانطلاق إلى جنوب اليمن عبر تعز، لكن هذا الوضع الجديد لم يكن كافياً ليجبر الحوثيين وحلفائهم على إعادة النظر في مخططاتهم وتعاملهم مع المتغيرات الميدانية، بل إن ما حدث كان النقيض تماماً، إذ لم يتوقفوا عن الدفع بالمزيد من المقاتلين شباباً وأطفالاً إلى جبهات القتال وواصلوا استنزاف كل ما بقي من مقدرات البلاد المالية، وزادت ضغوطهم على المواطنين في المناطق التي يبسطون فيها سلطتهم ومعها زادت معاناة الناس وتعقدت حياتهم وقلت فرصهم في الخدمات الطبية والتعليمية وسبل الحياة في أبسط صورها، وصار واضحا أن حياة الناس لا تعني لهم الشيء الكثير، بل على العكس دعا زعيمهم عبدالملك الحوثي إلى ما سماه (النفير العام) ورفد جبهات القتال بالمزيد من المحاربين.
في مقابل هذا الاستهتار بالحياة وعدم الاكتراث بأعداد القتلى والمعوقين وعدم تقدير حجم الدمار الذي لحق ببنى البلاد الاجتماعية، تقف الحكومة (الشرعية) عاجزة عن إثبات أي مهارات تعينها على معالجة الأوضاع الأمنية والمعيشية في المناطق التي استعادت السيطرة عليها بفضل دعم قوات التحالف العربي، وتعالت نبرة الاحتجاجات على الفساد الذي عطل المساعي التي تبذلها السلطات المحلية في المحافظات الجنوبية لتحسين مستوى الخدمات الأساسية ويستدل الناقمون على الحكومة بعجز القائمين عليها تقديم أي منجز يدعم حجج مناصريها، ومازال انشغالها بالتعيينات غير الضرورية يثير الحنق ويسبب المزيد من الإرباك الإداري والمالي.
يتفق الجميع أن الحسم العسكري غير ممكن، كما يدركون أن استمرار الحرب يفاقم من فاجعة الكارثة الإنسانية، وبمرور كل يوم من القتال تتزايد أعداد اليمنيين الذين يدخلون في نطاق المجاعة وانعدام الخدمات الصحية وترتفع أرقام النازحين داخلياً، ومن غير المعقول أن تتوقف مساعي السلام بسبب عدم الاكتراث تجاه ما يجري، ولكن ما لا تعيه الأطراف المحلية هو أن إطالة أمد الحرب يفلت منها قدرة السيطرة على تصرفات أفرادها الذين يخرجون من تحت عباءتها وسرعان ما يشكلون قوى مسلحة جديدة تنشأ داخل مناطق الحرب ولا تقيم اعتباراً للمؤسسات التي خرجوا منها، وقد رأينا ما جرى في تعز خلال الأسابيع الماضية من قتال بين مجاميع مسلحة كانت (تقاوم) الحوثيين لكنها تحولت إلى صراع نفوذ بعد أن تقاسموا كمربعات يتوزعون غنائمها.
كتبت كثيراً عن حاجة اليمنيين البحث في طرق أخرى تجعل السلام ممكناً، إذ صار واضحاً أن المتحاربين غير مهتمين بالتوصل إليه لما يجنون من فوائد مادية ضخمة ويتوجسون من أنهم سيصبحون خارج دائرة الحكم في حال التوصل إلى تسوية، وقد اجتهد كثيرون في وضع العديد من المقترحات التي تصوروا أنها تساهم في حث الأطراف جميعها على الانخراط في عملية سلمية شاملة، ولكن كل هذه المساعي لم تنجح في تحريك الموقف في ظل غياب قيادات تاريخية تتمتع بقبول شعبي يمكنها من ادعاء تمثيل الأغلبية كما كان الحال في الستينات.. يبقى الأمل الأخير في أن تكثف دول الخليج بالتعاون مع (واشنطن، لندن، وموسكو) الجهود لإيقاف هذه الحرب ووضع حد لأحزان اليمنيين، وبإمكان هذه العواصم التواصل مع كافة الأطراف اليمنية والتعرف على أفكارها وتبادل الرأي معها.
إن التضحيات التي قدمتها دول الخليج وقدرتها على التحرك الإيجابي تفرض عليها جميعاً التحرك في اتجاه البحث عن مخرج عاجل للشعب اليمني من عبث قادة الحرب الأهلية، ودول الخليج لها حق وعليها واجب إنساني تجاه أشقائهم وأنا على ثقة تامة أنها قادرة على الإسهام في إعادة الأطراف إلى طاولة المباحثات مع عدم إغفال القوى المحلية التي نشأت بعيداً عن أعين الجميع وصارت صاحبة الكلمة الفصل في مناطقها، وكذلك القوى الأخرى التي لم تكن شريكة في الحرب الأهلية وظلت ناقدة لها ولطرفيها المحليين.
"عكاظ"