يعود المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ إلى صنعاء، ويغادرها من دون نتيجة أو بوادر أمل في زحزحة صخرة الأزمة القائمة في البلاد، فكل الأطراف متمسكة بمواقفها، وترفض التنازل عن تشددها حيال الحل، فالسلطة، ممثلة في الشرعية التي يمثلها الرئيس عبدربه منصور هادي، تتمسك بضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن وبقية المرجعيات الوطنية، قبل الخوض في أي مقترحات، والجماعة الانقلابية لديها وهم أنها تقاتل أميركا و«إسرائيل» بل والعالم كله، وتحقن أتباعها وأنصارها بأن أي حل خارج هذه المعادلة يجلب «الدواعش» إلى صنعاء، ليقوموا بذبح الناس، لكنهم يتناسون أن الذين يقاتلونهم اليوم يمثلون نسيج المجتمع كله وقد أجبرتهم الجماعة على ترك بلادهم بقوة السلاح.
لذلك لا يمكن لولد الشيخ أن يحدث اختراقاً جدياً في تغيير قناعات المتصارعين، لأن الحرب واستمرارها، ولدت وتولد الكثير من المصالح المتضاربة، حيث يبدو أن أطرافاً سياسية وقبلية وعسكرية تشكلت لديها قناعات بأن وقف الحرب يضر بمصالحها ويهدد طموحاتها في لعب أدوار في خريطة الصراع القائم في البلاد منذ عقود، وإن أخذ أبعاداً أخرى منذ ثورة الشباب عام 2011.
والواضح أن كل الأطراف تخسر، وإن كسبت مرحلياً من استمرار الصراع الدائر في كل منطقة، إلا أن الخاسر الأكبر هو الشعب الذي تشرد وجاع، والبلد تجزأت مناطقه بين الشرعية وجماعة الانقلابيين، ذات المشاريع المختلفة، وخسر الوطن ما تبقى له من إمكانات شحيحة، ويحتاج إلى عقود طويلة لعودة الحياة إليه في حال وقفت الحرب.
يعاني السكان في كل مناطق البلاد، سواء المحررة منها أو تلك التي تقع تحت سيطرة الانقلابيين، فالخدمات تتدهور كل يوم، لأن الانقلابيين يرفضون التعاطي مع الجهود التي أعلنت عنها الشرعية مؤخراً، لتسليم رواتب الموظفين في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، بل ويعتقدون أن تسليم كشوف موظفي الدولة لصرف الرواتب هو خيانة وطنية.
من هنا لا تبدو في الأفق ملامح تسوية سريعة للأزمة القائمة في البلاد، فكل طرف متمسك بأجندته، فيما الشعب يدفع ثمن الصراعات التي كان بالإمكان تجنبها، لو أن الانقلابيين حسبوا تكلفة إقدامهم على تدمير الدولة وتهجير الشعب تحت شعارات أكدت الأحداث أنها لم تكن سوى عبارة عن ثأر وانتقام سياسي وديني، دفع الشعب كله ثمناً له.
سيعود ولد الشيخ من صنعاء، كما عاد في مرات سابقة، بلا موافقة من جماعات وأدوات الانقلاب لتحريك ملف الأزمة، وسيعود الحديث عن شروط هنا وهناك، والكل يراهن على جزئيات صغيرة، يمكنها أن تساعد على الانتصار لمشروعه، لكن مشروع اليمن الكبير المستقر والآمن، ليس حاضراً أبداً في أجندة السياسيين، بخاصة من قبل المسؤولين عن الانقلاب، الذين يرون في أي تسوية قادمة خسارة لهم، بخاصة وأن مصالح ضخمة تشكلت من وراء استمرار الحرب التي أحرقت الأخضر واليابس وحولت اليمن إلى مجرد ساحة لتصفية حسابات الداخل والخارج.