ترامب الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الامريكية، هذه كانت حقيقة الجمعة الثالثة في شهر يناير ٢٠١٧م ومع دخول ترامب الى البيت الأبيض طويت صفحة الرئيس الامريكي باراك اوباما وبين يناير ٢٠٠٩م ويناير ٢٠١٧م تنتصب أمامنا لحظتان فارقتان، كان العالم في أولاهما في اعلى معدلات تفاؤله وهو يرى أول رئيس أسود يدخل البيت الأبيض رئيسا توحدت حوله كل البشرية التي تنشد العدل والأمن والاستقرار وأساسيات الحياة وكانت ترى فيه وكأنه المنقذ لها في تلك اللحظات الحرجة التي كان العالم يترنح فيها تحت وطأة حروب عدة، وأزمة اقتصادية عنيفة وكأنها كانت عقوبة الرافضين لهذا التغيير لهذا الرجل، وبين لحظة الان يكاد العالم أيضا يتوحد فيها امام عنجهية وتهديدات وعنصرية ترامب وهو خائف مذعور من دخول هذا الرجل الى البيت الأبيض، خاصة وهو يعلن على الملأ أنه لا يرى في هذا العالم الا أمريكا أولا.
جرى التنصيب بالمراسيم الامريكية المعهودة وألقى ترامب خطابه في ساحة مفتوحة احتشد فيها عشرات الآلاف ولم تكن هناك مفاجأة من أي نوع في خطاب الرجل عدا تكراره لمحاور سياسته التي لخصها بأنه عازم على أن تكون أمريكا أولا (الدولة الأولى في العالم)، وهذا أمر قد كرره مرارا في حملاته الانتخابية، وهذا الشأن يقلق العالم أجمع بلا شك، ولكنه يقلق منافسي أمريكا بشكل رئيسي في الحقيقة ولا أحدا سواهم، ووضح الرجل في خطابه أنه يريد -أمريكا اولا- قوية في الداخل من خلال نهضة عظمى تشمل كل مجالات الحياة في التعليم والمواصلات والصحة والاستثمار بحيث يوفر لشعبه الذي يعيش جزء منه حالة فقر وبؤس ليس فقط اساسيات الحياة وإنما سبل العيش الكريم والسعادة وأكد ان -أمريكا اولا- لن تكون قوية الا بتحصين حدودها واستيلاؤه على الجزء الأكبر من كعكة العالم الاقتصادية ومع -أمريكا اولا- فهو لا يفكر إلا بمواطنيه وأمنهم وعيشهم ورفاهيتهم وبعد ذلك يأتي كل شيء.
وهذا الطموح يشابه فيه الرئيس الامريكي أغلبية رؤساء العالم، فكلهم في مثل هذه اللحظات تكون هذه وعودهم وهذه خطاباتهم، بل وشطحاتهم وأغلبهم لايصدقون وسيتابع العالم اجمع ماذا سينجز ترامب؟؟
كان ملفتا في حفل التنصيب هذا ان رجل -أمريكا اولا- يحذر مباشرة أساطين الدولة الامريكية سواء في المؤسسة الحكومية بكل فروعها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية وكذلك القطاع الخاص بكل جبروته في أمريكا وكذا وسائل الاعلام ومؤسساتها الضخمة، يحذرهم جميعا ان الحكم للشعب ولا أحد سواه وهو يشير بشكل واضح الى تمرده على المؤسسات العتيقة التي يرى أنها احتكرت السلطة والثروة على حساب المواطن وصارت واشنطن العاصمة ومؤسساتها في الكونغرس والبيت الأبيض والبنتاجون مستهدفة من هذا الرجل مباشرة وهذا يشير بوضوح أن الرجل يعرف أن أول معارضيه في سياساته هذه إنما هي هذه المؤسسات ولهذا بادر منذ لحظاته التنفيذية الاولى للهجوم عليها بشكل عنيف بل وأعلن تدشينه العمل بنقل السلطة وهو يخطب عندما خاطب الأمريكيين، إن هذه السلطة سلطتكم وليست سلطة العاصمة واشنطن وسياسييها الفاشلين، وهنا تشعر وكأنك تقف امام احد متمردي أمريكا اللاتينية لا امام رئيس اكبر دولة راسمالية في العالم !!!
يرى هذا الرئيس ان العالم كله بحاجة لخدمات أمريكا وحمايتها وأن من يريد هذه الخدمات والحماية فعليه ان يدفع القيمة التي تحددها دولة -أمريكا اولا-، وأنذر الجميع انه لن يسمح لأحد بتهديد أمن أمريكا وهو هنا يتجاوز الحدود التي رسمها لبلاده وهو يريد إسعاد المواطن الامريكي وحماية اقتصاده، لأن مفهوم الامن الامريكي مفهوم إمبراطوري يشمل العالم بأسره وما اسهل على الرئيس الامريكي ان يدعي في لحظة من اللحظات ان شخصا او كيانا في العالم يهدد أمن أمريكا او مواطنيها وهنا لم يأتِ الرجل بجديد لحل المشكلة الأكبر في العالم مشكلة الاٍرهاب.
الرئيس الامريكي الجديد ينظر اليه كخصم لدود في معظم دول العالم وكذلك لدى ملايين الأمريكان خاصة وهو كما يبدو من تصريحاته مثيرا للقلق عند المواطن البسيط وعند صانعي السياسات وكذلك الحال لمؤسسات الدولة الامريكية الكبرى التي تشعر بالرعب من مفاجئات ومقامرات هذا الرجل وتهديداته العلنية، بينما كان باراك اوباما ينظر اليه أغلبية الأمريكان ومعظم دول العالم كصديق مناضل يطمح الى أمن واستقرار البشرية والحقيقة اليوم الماثلة أمامنا وبالذات غير الأمريكان ان اوباما ترك العالم وهو أسوأ مما كان عليه في عام ٢٠٠٩م وعالمنا العربي اسوأ شاهد على ذلك، ولا يدري احد هل سيفاجئ العالم بعد سنين من حكم ترامب ان طال به العمر، انه اخطأ في النظر اليه وانه كتاجر استطاع ان يشغل الجميع، المواطن العادي، مؤسسات الحكم، الشركات الكبرى وقادة العالم لتتم صفقة تعيد للعالم جزء من حقوقه وحينها لا بأس ان تبقى أمريكا اولا.