يبدو أن ما قالته وتقوله بعض الصحف العربية عن فشل المندوب الأممي -الموريتاني الأصل- لحل (الأزمة اليمنية): السفير إسماعيل ولد الشيخ أحمد.. بعد عشرين شهراً من تكليفه بمهمته في الخامس والعشرين من شهر إبريل من عام 2015م.. وإلى حد المطالبة بـ(استقالته)، أو إبداله بـ(مندوب أممي) آخر.. من قبل مجلس الأمن صاحب القرار رقم (2216).. قد أتى أكله على نحو معاكس عند السفير ولد الشيخ أحمد!؟.. فقد استقر في يقين المندوب الأممي، بأن انتقادات الصحافة له.. بأنه خيب آمال الجميع في إنهاء هذه (الحرب) التي ستدخل في سبتمبر المقبل عامها الثالث، وبأن قدراته السياسية المتواضعة لم تمكنه من تحقيق اختراق لـ(الأزمة) طوال العشرين شهراً الماضية.. رغم محاولاته، وبأن أطروحاته التي قدمها لم ترق إلى مستوى الأزمة.. بدليل رفض الطرفين -(الشرعية) و(المتمردين) من الحوثيين وأتباع المخلوع- لـ(النسخة الثالثة) منها، وبأنه لم يعد لديه والحالة هذه جديد يقدمه، وبأنه أصبح في مهب الريح.. بأن كل هذه الانتقادات الصحفية له على قسوتها ومرارتها وما تنطوي عليه من التلميح له بالاستقالة.. إنما تشكل حافزاً جديداً له لتقديم أطروحات جديدة.. بينما الأزمة لا تزال (محلك سر)، والدماء اليمانية ما تزال تنزف، والمدن اليمنية الكبرى الثلاث -صنعاء وتعز والحديدة-.. ماتزال تحت حصار الحوثيين والمخلوع.. والوطن اليمني بكله ما يزال على شفير الهلاك، وهو ما فعله السفير ولد الشيخ أحمد بكل أسف يوم الاثنين الماضي.. عندما قدم للرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته.. ما أسماه بـ(المقترحات الجديدة) وليس (خريطة حل) بديلة، وأن الرئيس هادي.. استلمها، وطلب منه فرصة لدراستها. فماذا تضمنت هذه (المقترحات) التي أسمها بـ(الجديدة)..؟! بينما الواقع.. أنها ليست بأكثر من تجميع مضطرب لمقترحاته السابقة، فهي تدعو (أولاً) لـ(عدم المساس بصلاحيات الرئيس هادي باعتباره رئيساً منتخباً)، و(إنهاء الانقلاب، وانسحاب الميليشيات وتسليم الأسلحة) وفقاً للمرجعيات الثلاث التي تعتمدها الحكومة الشرعية (المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل وقرار مجلس الأمن الدولي 2216).. والتوقيع على هذا البند (الأول).. قبل الانتقال إلى البند الثاني من تلك المقترحات، والذي يمثل (المسار السياسي) الذي تضمن (تعيين نائب للرئيس وتشكيل حكومة وحدة وطنية)، وأن الضامن للحكومة الشرعية في إنفاذ هذه المقترحات هي (اللجنة الرباعية) الأممية لـ(السلام) في اليمن.. بينما الضامن الرئيسي لـ(الحوثيين والمخلوع) هي (سلطنة عمان)..! وأن السفير الأممي صاحب هذه (المقترحات).. متفائل بقدرتها على اختراق الأزمة، والوصول إلى (نهاية لهذا الصراع).
* * *
لقد نسي أو تناسى الموفد الأممي (ولد الشيخ أحمد).. أن الحوثيين والمخلوع راوغوا عند صدور القرار (2216)، فقد رفضوه بداية.. لأنه صدر تحت البند السابع، وهو ما يعني أن لـ(مجلس الأمن) الحق في استخدام (كل الوسائل بما فيها القوة) إذا اضطر لها لإنفاذه بعد استنفاد الوسائل السلمية عبر السفراء والموفدين الأمميين، ثم عادوا عن رفضهم للقرار (2216) بعد أن تأكد لهم بأن السفير الأممي الجديد (ولد الشيخ أحمد) رغم خطيئته في (الدعوة) إلى جنيف الأول الذي كان يمثل اعترافاً مجانياً بـ(الانقلابيين) والحوثيين.. قد اشترط اعترافهم بـ(القرار) الأممي قبل توجيه الدعوة لهم، فكان أن أعلن أحد المتحدثين باسمهم خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في خريف عام 2015م.. قبولهم بالقرار (2216).. إلا أن بان كي مون -الأمين العام السابق للأمم المتحدة- رفض هذا الإعلان الإعلامي، وأصرَّ على أن يتلقى خطاباً رسمياً منهم بقبول القرار وبـ(إنفاذه)، وهو ما فعلوه.. حتى يذهبوا إلى (جنيف).. لحضور أول لقاء لهم مع الحكومية (الشرعية) ليحصلوا على شيء من (الشرعية).. وقد كان، ليفاجأ الجميع بمن فيهم ولد الشيخ أحمد.. إذا أحسنا الظن بنزاهته (وبراءته).. بإعلان الحوثيين في أول اجتماعات جنيف.. برفض القرار (2216)، وأنه لابد من تعديله.. بـ(إلغاء) العقوبات الواردة فيه على عبدالملك الحوثي، وأحمد علي عبدالله صالح.. ابن المخلوع الذي باع تاريخه والمكانة التي كان يحتلها في قلوب اليمنيين جميعاً بـ(ثمن بخس)، يتمثل في (حلم مستحيل).. حلم الولاية لابنه (أحمد) لحكم (اليمن) خلفاً لأبيه (المخلوع)، وقد انتهى جنيف (الأول).. كما انتهى جنيف الثاني الذي عقد في (بيال) السويسرية.. كما انتهت المشاورات التي استضافتها دولة الكويت مشكورة قرابة ثلاثة أشهر.. دون إحراز أي تقدم فعلي على أرض الواقع لإنفاذ القرار (2216)، أو أي من بنوده الست: فلم يجر الكف -من قبل الحوثيين والمخلوع- عن اللجوء إلى العنف، ولم يتم سحب قواتهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها.. بل ولم يجر حتى الانسحاب من المدن اليمنية الرئيسية الثلاث: صنعاء وتعز والحديدة، ولم يكف الحوثيون والمخلوع عن استفزاز الدول المجاورة وتهديدها، ولم يتم حتى الإفراج عن السجناء السياسيين.. فضلاً عن تسليم الأسلحة وإعادة الأموال المنهوبة أو الانسحاب إلى صعدة.
* * *
فإذا استبعدنا من هذه (المقترحات الجديدة) كما أسماها السفير ولد الشيخ أحمد: ضمانة (اللجنة الرباعية).. لـ(الشرعية)، وضمانة (سلطنة عمان).. لـ(الحوثيين)، فإن بقية (مقترحاته) لا تضيف جديداً لأفكاره السابقة، وتبقى أبعد ما يكون عن مقترحات.. توصل لـ(إنفاذ) قرار مجلس الأمن (2216)، فلم تشر تلك المقترحات إلى ضرورة إصدار قرار جديد عن مجلس الأمن يؤيد فيه قراراته السابقة بـ(وقف إطلاق النار)..مع طلب إيفاد (مراقبين) أمميين لـ(اليمن) لمتابعة إنفاذه، أو إرسال قوات حفظ سلام أممية رمزية.. تضع حداً لـ(الاقتتال) بين الطرفين، وتكون مرجعية أممية -في ذات الوقت- لـ(استلام) الأسلحة والأموال، وتسليمها لـ(الشرعية) وتمكن من وضع (الدستور اليمني) الجديد للاستفتاء عليه يمنياً.. تمهيداً لإجراء الانتخابات التشريعية فـ(الرئاسية)، فهذه الآليات مجتمعة أو منفردة تمثل صلب مقومات (البند السابع) الذي صدر عنه قرار مجلس الأمن 2216، وهو ما لم يعره السفير ولد الشيخ أحمد أي اهتمام أو عناية، لتبقى (مقترحاته الجديدة).. عرضة لـ(الرفض) و(الفشل) الأكيد مجدداً.. كسابقاتها.
لقد كان السفير الأممي السابق لإنفاذ المبادرة (جمال بن عمر).. أكثر شجاعة وأكثر يمنية.. عندما قدم استقالته من (مهمته).. بعد اكتشافه خدعة الحوثيين له عندما خرجوا من (صعدة) يطالبون بإعادة الدعم المالي للمشتقات النفطية رأفة بمحدودي ومعدومي الدخل اليمنيين الذين يمثلون أغلبية اليمنيين، وإجراء إصلاحات على حكومة الوحدة الوطنية، ثم ظهر فيما بعد أن همهم الأول..كان الوصول إلى ما سُمّى آنذاك باتفاق (السلم والشراكة).. فـ(احتلال) المدن اليمنية والوزارات وصولاً لـ(حكم اليمن) رغم ما أشيع عنه زوراً.. بأنه كان (حوثياً) في كل ذلك، رغم جهوده التي بذلها لأكثر من عامين في سبيل إنفاذ (المبادرة الخليجية) وآليتها المزمنة، والتي كان في ذروتها الإتيان بأعضاء مجلس الأمن جميعاً في السابع والعشرين من يناير من عام 2013م.. إلى (صنعاء) لحث المترددين من الأشخاص والهيئات على تجاوز ترددهم.. والانخراط في أعمال مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل الذي ستقرر مخرجاته مصير اليمن ومستقبله، الذي تناساه السفير ولد الشيخ أحمد.. وتناسى مخرجاته بـ(الكلية) في مقترحاته الجديدة.. والتي لم تخل فعلاً من الحوثية في توجهاتها.
ومعذرة.. إن قلت، بعد كل الذي سبق.. إن مقترحات السفير ولد الشيخ أحمد الجديدة، تمثل بحق متاهة جديدة لـ(اليمن)، ولـ(قرار) مجلس الأمن رقم (2216).. الموضوعي والدقيق.