إن مصدر القوة اليوم للعمل السياسي في وجه المشروع الانقلابي المسلح، أن العمل السياسي يستمد قوته الذاتية من التأييد الشعبي، هذا التأييد الشعبي الذي خبرناه كيمنيين في عدة منعطفات كان أهمها منعطف النضال السلمي الجارف الذي اجتاح كل المحافظات اليمنية منذ الانتخابات الرئاسية في عام ٢٠٠٦ م، ولقد عاش اليمنيون- بكل أحاسيسهم- تلك اللحظات المفعمة بكل المشاعر الوطنية وهم يَرَوْن أن هناك تياراً شعبياً جارفاً يقارع الحاكم من خلال صيغه ووسائله، ويعرض البدائل السياسية الممكنة لتجاوز كل وجوه الأزمة التي كانت تعيشها البلد، ولكن الاستبداد رفض التعاطي الإيجابي مع حركة التأييد الشعبي الكبير الذي حصل عليه مرشح المعارضة مما أدى ذلك إلى تعاظم مظهر الأزمة خلال السنوات الأربع التالية، وعشنا بعد ذلك مرحلة أخرى مهمة عبّرت عن تنامي القوة الشعبية وإبداع وسائل جديدة للعمل السياسي جددت من قوته، وتجلت بالمسيرات والاعتصامات التي عمت المحافظات اليمنية قاطبة أثناء العام ٢٠١١م ورفضت كل القوى السياسية محاولة تحجيم العمل السياسي وآلياته من خلال جرها إلى مربع العنف والقوة وأصرت بنجاح أن عنوان نضالها الأساسي هو السلمية وأن محاولة استخدام القوة المجردة ما هو إلا محاولة خبيثة لجر الشعب إلى ميادين العنف والدمار والموت بينما كانت رسالة القوى السياسية السلمية والبناء والحياة.
إن من مصادر القوة الذاتية كذلك التي تملكها الحركة الوطنية اليوم وقواها السياسية إلى جانب التأييد الشعبي، أنها تمتلك المشروع السياسي الذي يعبر عن حقوق وآمال وأحلام الشعب وهذا المشروع ملامحه السياسية بارزة اليوم عبر مخرجات الحوار الوطني والتحدي المنتصب اليوم أمام قوى الشرعية السياسية هو كيف نطور ونبدع في جعل هذا المشروع فعلاً مشروع كل اليمنيين وهويتهم لهذه المرحلة عبر برنامج عمل سياسي فعالٍ يجمع كل الاتجاهات السياسية المقاومة للانقلاب في هذه المرحلة، وهذا هو البديل الأساسي المقاوم لمنطق القوة والسلاح والعنف والموت الذي يحاول الانقلابيون أن يفرضوه علينا.
إن مصدر قوتنا الكبير الذي يحاول الانقلابيون أن يفصلوا بينا وبينه هو هذا الشعب بقوته الذاتية ومشروعه السياسي، الذي يرفض منطق العنف والقوة وقد تبدى ذلك بشكل مذهل من خلال المقاومة العنيدة التي هبت في وجه الانقلاب بشكل عفوي اضطراري وهي مقاومة كان ولا يزال وعيها الوطني السياسي هو الذي حفزها للقيام بالواجب والدفاع عن حقها، عندما أصر الطغاة على بغيهم وعنفهم وكان الشعب في تلك اللحظة الفارقة يكاد يكون أعزلا إلا من تمسكه بحقه ونجح بذلك الوعي من الوقوف أمام قوة الاستبداد الظالمة.
علينا أن ندرك جيداً أن الانقلابيين ومن ورائهم تيارات كبرى حاقدة يريدون أن يحاصرونا من خلال محاصرة حقنا في العمل السياسي لأنه مصدر قوتنا الكبير وذلك من خلال الحرب والقوة والعنف ولا شيء سواهم وبهذا يكونوا قد جردونا من أقوى وسائلنا وأمضاها في الالتحام بالشعب، من خلال الأطر الدستورية والقانونية بل والإنسانية حتى ننعم بالأمن والتنمية والحياة.
إن القوى السياسية اليوم مطالبة بأن تدرك أن تجديد وسائل العمل السياسي هو تجديد لمصدر قوتها، وعليها أن تبادر إلى إنجاز كبير لا يقل روعة عن إنجازات العمل السياسي في عام ٢٠٠٦، تلك التي جعلت الاستبداد يترنح في اليمن، إن عليها أن تنطلق بِنَا نحو آفاق رحبة في العمل السياسي، كتلك الآفاق التي فتحتها ثورة الشباب في ٢٠١١م وجعلت الإقليم والعالم يبادر إلى تبني قضيتنا، وأيضاً عليها أن تتحدى لحظة الركود السياسي التي نعيشها بمفخرة سياسية جديدة لليمنيين كمفخرة مخرجات حوار ٢٠١٣م والتي امتلك عبرها اليمنيون مصدر قوتهم ومقاومتهم للانقلاب.