من الرياض عاصمة الحزم، انطلق صوت الإعلاميين اليمنيين والسعوديين في أمسية تردد صداها في عواصم العرب المتحالفين من أجل نصرة الحق واستعادة الشرعية، وكانت صنعاء عاصمة العرب الهدف الذي تغنى به الجميع في هذا اللقاء النادر، مساء ١٥ يناير ٢٠١٧، في «الملتقى اليمني للإعلام» من قلب العاصمة السعودية الرياض، الفكرة نبيلة وجاءت لترميم الجسور، وإحياء التاريخ، وإعادة الثوابت في علاقات الناس، ومستقبل الأجيال.
تحدث الأشقاء اليمنيون من أهل الإعلام، من وزراء ووكلاء وزارات ودبلوماسيين وأساتذة جامعات وكتاب ونخب اجتماعية وسياسية ومدنية بحرارة ظاهرة، وحب، وثمنوا بإخوة وامتنان الدور الريادي للمملكة العربية السعودية وقيادتها التاريخية التي جعلت الفعل العربي واقعاً، وحزماً، يعيد الأمور إلى نصابها ويجنب اليمن وأهله، والمنطقة، والعالم، تغول الانقلابيين الذين يريدون ان يجعلوا من بلادهم وإنسانهم وأمن المنطقة ورقة رهان مع القوى الطامحة للهيمنة. والساعية للنفوذ على حساب تفتيت وحدة وتماسك أهل الجزيرة العربية في الأساس والعرب في مرحلة لاحقة.
في الجانب الآخر، جاءت أصوات لسعوديين، مسئولين في القطاعات العسكرية والمدنية وأساتذة في الجامعات ومحللين سياسيين وكتاب ووجوه تلفزيونية كلها جاءت بصوت الأخوة والاحتضان وإعلان المناصرة للأشقاء، وإبراز حقائق الواقع كما يرونها ان اليمن يتعرض لمحنة بدوافع أجنبية تسعى لتمزيقه عبر مخالب محلية، تدفع في وضح النهار لتخريب الأمن وتهديد السلم في اليمن والمنطقة. كانت لحظات شفافة في تاريخ علاقة الجانبين الطويلة والراسخة رددت فيها القلوب والحناجر أن الصلاة قريبا ستكون في صنعاء الحرة والتي تقول مؤشرات كثيرة إن السفر نحوها لم يعد ذلك الطويل.
حضوري الشخصي إلى هذا الفضاء الاستثنائي كان وما زال وسيظل محل تقدير مني للقائمين على الملتقى لأنهم أتاحوا لي فرصة ذهبية للقاء صناع الإعلام في البلدين، وهو أمر مهم أي جناح الإعلام في هذه الظروف المفصلية التي تمر بها المنطقة، وتضع الجميع أمام كل التحديات التي ربما لم تواجه إعلاميا من الجانبين السعودي واليمني بالطريقة والأسلوب الذي يجب. دور الإعلام والنخب التي تحارب في هذا الفضاء لا يزال أقل من المأمول في إيضاح الحقائق ودفع الشبهات، بعبارة أخرى لم يستخدم سلاح الإعلام بالكفاءة المطلوبة في معركة الحق، والشرعية إلى الآن على الأقل.
وعلى المستوى الشخصي أيضا سرتني كثيرا عدة أمور منها، أن هناك شخصيات سعودية تمتهن العمل الإعلامي والبحثي وعبر مراكز متخصصة طرحت مسألة الصراع اليمني وتنبأت ببعض صوره، ومعطياته، قبل انطلاق الأزمة. وقبل بدء عاصفة الحزم، والأجمل في تقديري أن هذه الجهود مستمرة ومؤمل أن تنطلق بمشاركة ثقافية وإعلامية مع عدد من رموز العمل الإعلامي والسياسي اليمني المقيمين في المملكة، وان هناك استشرافا لكثير من مراحل الصراع وتطوراته العسكرية والإستراتيجية والسياسية. وهذا ما يعول عليه ليكون نواة لكثير من الجهود القادمة والتي يؤمل أن تغير أو تصحح كثيرا من الحقائق المغلوطة بين الشعبين الشقيقين في المملكة واليمن مثل العداء المصطنع بين الشخصيتين السعودية واليمنية. بالإضافة الى مغالطات اخرى تهدم جسور الثقة التي تؤسس لعمل كبير قادم اعلن عن أجزاء منه في القمم الخليجية الأخيرة. ويُؤمل أن يعلن عن خطوات أبعد في قادم الأيام.
بقي أن أشير إلى أن غياب وسائل الإعلام وخاصة المرئية كان النقطة الأكثر ضعفا في هذا الملتقى. لأن مثل هذه اللقاءات من الجدير أن تذاع للناس في المملكة وفي اليمن وفي أرجاء الوطن العربي والعالم لأن هذه اللحظات تؤسس لحقيقة، أو لجملة من الحقائق كلها تشير الى المستقبل الذي سيكون - بأمر الله- خاليا من كل مظاهر الفوضى واللعب بمقدرات الدول والشعوب والأمم.
الجميل أن القناة الثقافية السعودية، وعبر رئيسها الذي كان من حضور هذا اللقاء، أعلنت عمليا عن احتضان اللقاءات القادمة للملتقى، التي تجمع النخب الإعلامية من الأشقاء في المملكة واليمن. المثقفون السعوديون وجهوا دعوة أخوية للأشقاء اليمنيين للاجتماع في فضاءات العاصمة الرياض؛ لتوثيق اللحمة وتفعيل هذا السلاح الذي يُقرِب من النصر الذي بات الحديث عنه أكثر تفاؤلا.
دفع الطغاة، والطائفيين، ومخربي الأوطان، عمل نبيل يحسن أن يتنادى له الخيرون من أهل الإعلام، والفن، والثقافة. وكلها أسلحة مؤثرة في مستقبل الشعوب إذا أُحسن استخدامها.