جاءهم غنيمةً وما أوجفوا عليه من خيلٍ ولا رِكابْ.. وطن سُلم إليهم مثلَ زِمام بعير. فولغوا فيه ولوغ عاهر يقامر بكل شيء، لا يبقي ولا يذر؛ شأنه شأن ناهب في مال سائب.
لا يوجعه تلاشي المقدرات واختفاء الثروات، وعويل النساء ونحيب الأطفال، وتغير المآل إلى أسوأ حال، ولو كان كذلك ما ولج عتبة المحرم فاستحل العرض والمغنم.
لقد أدهش العالم حين تجاسر في انتهاكه لا يلوي على شيء؛ فكان محط إعجاب المتربصين وهو يجثو على فريسة لا تمتلك شروى نقير من مقاومة، أنهكها النخاس السابق، وما رحم ضعفها المفترس الآبق.
لقد التحف عباءة لطف ليست له، تنأى عن جسده وهو يدعي وعظ الثعلب، وورع الذئب، ولبس بزة تنبو عن نيته التي لم يخفها صهيله الفج، وصرخته التي لا يكبحها دين ولا يردها يقين؛ مهما ارتدى مسوح المصلحين؛ فمع أول انبهار بحجم الغنيمة ثار سعاره، ليبطش بكل مناوئ يمكن أن يحرمه نهشة في جسد الطريدة.
غنيمة مشفوعة بحدة الاستيلاء وجموح الاستئثار، وقدرة عالية على إسكات الأنات، وإلجام الآهات، أيا كان تأثيرها الذي قد يمزق نياط القلوب، ويتجاوز سنن التعايش الإنساني.
إنه لا يملك منافذ للتأثير، وتقيته تمنعه من التأثر، فكان عند مستوى السقوط المدوي، والوقوع المسوغ لأدائه دورا رسم له بعناية، وحيك له بمهارة وكأنه قميص يناسب مقاسه.
فلا جذور جغرافية تمنعه ولا عشرة مهما طالت تمنعه، ولا خصم يواجهه أو يردعه؛ فولج غير عابئ..
لقد أثبت الغازي المطهور بموس الحوزات قدرته على أن يسرق ابتسامة وراحة وطن، ويحرم أمة من عيشها في غمضة لؤم ملفوف بزيف الادعاء؛ دون أن يرف له رمش خجل او لحظ وجل؛ فاستطاع أن يتنكر لأطلال عيشه، ويطلق لصلفه العنان، وكأنه جاء من كوكب الطهر والاصطفاء إلى دهاليز الشيطان ليطمس معالم ماضيها بتراتيل الوهم المغلف بورق يشف عن بهتان الأب الرؤوم؛ الذي أضناه التسويق الداخلي لمخيلته فبحث عن سوق أخرى تقبل كساده.
لم يكن القادم من كهوف الكهنوت محتاج إلى تسلم الغنيمة من مأفون عزف على أوتار حبها غدرا سنينا طوالا حتى حولها –غيلة- إلى ناقة عجفاء، يستدر لبنها حتى الدم؛ لأنها كانت عقيرة استوى لحم كفنها حتى تقع؛ كانت حاجته إلى واقع مهترئ ونفوسا زهيدة الثمن تحنطت في أجسادها ولم يعد فيها ما يشعر بالحياء والحياة سوى فحيح الخيانة.
وتم ميقات ربك بابتلاء شعب يصارع أبجدية اللقمة وهجاء أولى حروف العيش البائس ناهيك عن أمنية البقاء الكريم، شعب يعزف أوجاعه بصمت مكلوم.
إنها غنيمة من يسرق بيته، ضاربا في عرض الحائط وعيه بمآل ما يصنع، وشنيع ما يقع، نوع من انفصام الشخصية لدى من يهتك أستار بيته بيده ويدعي حمايته ومسئوليته عنه، ويشرعن لفعله، ويستر وجهه بغطاء سوءته.