على مدى الأعوام الخمسة الماضية عاش اليمنيون أحداثاً جساماً، شهدت صراعات حادة بين المشروع الوطني الذي يحاول إنقاذ البلد من خلال توازنات تعطي أولوية للمشروع السياسي وقواه الوطنية وبين مشروع الاستقواء بالسلاح والعنف الذي جربه شعبنا منذ عقود طويلة ولم يخلّف إلا التدهور والدمار، ولقد كانت بداية هذه الأعوام مع العام ٢٠١٢، حيث كان هو عام انتقال السلطة إلى الرئيس/ عبد ربه منصور هادي بواسطة ترتيبات المبادرة الخليجية وانتخابات فبراير ٢٠١٢، و كان تنصيب الرئيس هادي في ذلك العام هو الحدث السياسي الأبرز، وكانت التطورات المختلفة والحوادث العديدة التي جرت في ذلك العام ما هي إلا صدى لذلك التغيير السياسي الكبير الذي حدث، وشهد عام ٢٠١٢ تراجعاً ملحوظاً لخيارات العنف واستخدام السلاح لصالح البدائل السياسية وخيارات التوافق.
ولقد كان عام ٢٠١٣ م هو عام الحوار الوطني بامتياز، حيث استطاع اليمنيون بقيادة الرئيس هادي من اجتراح مأثرة كبيرة عبر تقاربهم وتماهيهم مع خيار الحوار السياسي وكان ذلك العام عام الأمل الكبير، واليمنيون جميعاً ومن خلفهم العالم يشاهدون تلك اللوحة الخالدة التي جسدتها القوى الوطنية المختلفة في قاعة الحوار الوطني، ورغم كل الصعوبات التي اعترضت هذا المسار إلا أن القوى الوطنية من كل الاتجاهات السياسية وكل شرائح المجتمع استطاعت على مدى تسعة أشهر في قاعات الحوار من تشخيص أهم مشاكل اليمن في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن والخدمات وغيرها.. وتمكنت من التوافق بشكل كبير على حزمة مهمة من السياسات التي تمكن اليمنيون من العبور الآمن فوق حقول الألغام التي خلفتها سياسات الإقصاء والاحتكار والتهميش التي مورست على مدى الستين عاماً الماضية ولقد كان حقاً هذا العام، عام ازدهار الأنشطة السياسية المنفتحة التي مارسها اليمنيون في مختلف مجالاتهم ومناطقهم وتبادلهم للخبرات على مستوى الإقليم والدول الراعية للانتقال السلمي للسلطة في اليمن، صحيح أن عمليات العنف والإرهاب المتفرقة التي مورست هنا وهناك كانت تحاول جاهدة اغتيال لحظات الأمل تلك إلا أن وعي اليمنيين الكبير ممثلاً بقواه الوطنية استطاع أن يحتفظ لعام ٢٠١٣ برونقه كعام للسياسة والحوار والبدائل السلمية على حساب أجندة العنف والسلاح.
إن عام ٢٠١٤ كان عاماً صعباً منذ أيامه الأولى، خاصة وأن شعبنا ينتظر الوصول إلى نتائج حاسمة للجهود السياسية التي بذلت خلال عامي ٢٠١٣/٢٠١٢ والقلاقل الأمنية تضرب البلد بصور شتى وترهق المواطن وتنغص عليه حياته، بل استهدفوا المدن الرئيسيّة "صنعاء وعدن والمكلا" بعمليات دموية كبيرة، محاولين الاستقواء على مسار الحوار والتوافق بالتكشير عن أنيابهم وتوجيه بنادقهم مرة اهرى إلى صدور اليمنيين، معلنين بكل عتو واستكبار أنهم يرفضون البدائل السياسية والتوافقية لحل مشاكل البلد، طالما وهذه البدائل لن تتيح لهم مرة أخرى إمكانية احتكار السلطة بشقيها المادي والمعنوي.
وبرغم ذلك كان الأخ الرئيس والقوى الوطنية يرون أنه لا بد من المضي ببرنامج الحوار والخيارات السياسية إلى نهايته وإعلان مخرجات الحوار الوطني كأهم استحقاق وطني جماهيري لشعبنا اليمني باعتباره منجزاً تاريخياً لشعبنا العظيم ولا يحق لأي كان أن يحول بين شعبنا وهذا الإنجاز الكبير، وكان ذلك الإعلان التاريخي في نهاية يناير ٢٠١٤م.
لقد جسدت مخرجات الحوار الوطني تطلعات أغلبية اليمنيين للحل السياسي، بما يسمح لكل اليمنيين بالمشاركة في إدارة السلطة بشكل نسبي متوازن بين المركزي والمحلي ويخفف من الاحتقانات والكوارث التي أدت إلى تدهور حياة اليمنيين بشكل مريع ويعطي الفرصة للمواطن للاقتراب من صانع قراره عبر صلاحيات الأقاليم.
وكان الرد على كل هذه التطلعات بمزيد من تحريك لآليات السلاح الثقيل والنزول إلى شوارع العاصمة بقوة السلاح والتلويح مرة أخرى بهمجية الإجراءات ضد توافقات السياسة، وكان ذلك اليوم الأسود المعيب يوم انقلاب٢١ سبتمبر، وكان هذا الانقلاب هو العنوان الأبرز لهذا العام، وتابع اليمنيون مآسي اختلال التوازن بين السلاح والسياسة بأقبح صورها وصنعاء تقتحم ومقرات الدولة تنتهك والدبابات بفوهاتها وجنازيرها تدوس على كل توافقات اليمنيين وأحلامهم.
وكان مطلع العام ٢٠١٥ كذلك مليئا بأحداث السلاح المتمرد والمنقلب على كل التوافقات السياسية الوطنية حيث شرع هذا السلاح الآثم في محاصرة رئيس الجمهورية واقتحام دار الرئاسة والانقلاب على الدستور وإعلان بيان ٦ فبراير ولكنهم فوجئوا أن اليمن أكبر من صنعاء وأن الرئيس هادي برؤيته الوطنية قد تحول إلى روح تسري في ربوع اليمن محافظة محافظة ومدينة مدينة، شرعوا في تهور وجنون يرسلون أدوات القتل والدمار لمطاردة هذه الروح ولإعادة عجلات الزمن إلى الوراء، واعتقد الواهمون أن مارد هذا الوطن يمكن السيطرة عليه مرة أخرى، وإذا بهم يفاجأون بعاصفة الحزم تقض مضاجعهم وتنسف أوهامهم، ليكون ذلك العام عام عاصفة الحزم وانقلاب السحر على الساحر وبدأ تلاشي أوهام الاستبداد واحتكار السلطة بالسلاح بمسمياتها المختلفة، وبدأت القوى السياسية تسترد أنفاسها والمدن تستعاد بعد عدن الواحدة بعد الأخرى من أيدي المستقويين بالسلاح وكهنة الانقلاب.
وفي عام ٢٠١٦ استمر المشروع الانقلابي - مشروع السلاح - في التقهقر وكسبت الدولة بشرعيتها مزيدا من المدن والمناطق في مآرب وتعز والمكلا ومشارف صنعاء وصعدة وغيرها، وكذلك تم تعزيز تواجد الدولة بمزيد من الإجراءات من خلال ترتيب أوضاع كثير من المؤسسات وفي مقدمتها المؤسسات السيادية.
إن المراقب لحصاد هذه السنين الخمس الأخيرة يرى بشكل واضح أن معادلة السياسة والسلاح لا بد لها أن تتوازن ولا بد للقوى السياسية بآفاقها الوطنية المشتركة أن تملأ الفراغ الذي خلفه الانقلابيون وكهنة السلاح، وأن بناء الوطن وحماية المواطن لا يكون إلا بمؤسسات وطنية تخدم هذا التوازن، وعليها أن تحشد طاقاتها وكوادرها لتواصل المسير خاصة وأن الحوار الوطني قد وفر أرضية تشاركية كبيرة بين كل القوى الوطنية الرافضة للانقلاب وما على الأحزاب والتكتلات السياسية إلا بلورة برامجها بموجب هذه المخرجات والاستفادة من كل مخرجات المقاومة الوطنية التي استطاعت أن تعطي للسلاح مشروعية حقيقية وهي تلتحم بالمؤسسة الدفاعية للدولة، وعلى الجميع أن يدرك أن السلاح له مؤسساته الوطنية التي يجب عليه الالتزام بها والخدمة من خلالها وأن التمرد على هذا الثابت أو الانقلاب عليه تحت أي مبررات طائفية أو مناطقية أو فئوية أو حزبية يجب أن يقف الجميع ضده وعلى الجميع أن يدرك أنه بهذا يتولد التوازن المطلوب بين السياسة والسلاح ولا يستطيع أحدهما الاستطالة على الأخر ونعيش دوماً في ظل سياسة ترعى سلاح الدولة ولا سلاح سواه.