قال تعالى: [وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُون]. وقال تعالى: [فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖفَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمَ]" الشعراء: 52--- 63".
- هناك بعض المواقف الإستراتيجية الكبرى التي يتأبَّطها الباطل في عنفوانه وغليانه في سبيل مواجهة الحق، ومحاولة اخفاظ كلمة الله العالية ومحوها، فيتمادى محور الشر هذا وقياداته إلى أعلى درجات التأهب والجاهزية تمهيداً لاستئصال الحق والخير ودعاته من الوجود، حتى وإن كان قادة الخير هنا أنبياء ورسل! لكنه الجهل الإنساني المتراكم والغباء المتعاظم، ولن تستطيع أي قوة في الأرض أن تمنع هذا التحدِّي الهائج المائج، أو تقول فيه كلمتها النهائية الفاصلة الأبدية لتوقفه عند حدِّه، إلا قوة مؤيدة من الله، إلا مؤمنون حق الإيمان، يرتبطون بالوحي الإلهي، ويرجعون إليه، ويجاهدون الباطل تحت لوائه حق الجهاد، وماذا يمتلك موسى- عليه السلام- من قوة حتى يصدّ بها فرعون وجنده سوى الروح المعنوية الإيمانية العالية والثقة بالله المطلقة؟! وما أعظمها من روح! وما أعظمه من إيمان! وما أوثقها وأقواها من ثقة! فلا بد إذن في هذه الحالة الاستثنائية غير العادية من كلمة الفصل الإلهي أن تصدر فورا فيكون الوحي هو الحكم وهو الفصل[ فأوْحَيْنَا] الربانية فكانت طوق النجاة للحياة الإنسانية.
- وهو الأمر الرّباني والتدخل الإلهي لنصرة الحق وأهله، أهل الحق المؤمنون العاملون المخلصون، كما هو الحال هنا مع موسى -عليه السلام- فما حدث مع نبي الله ورسوله موسى مدرسة الثقة المطلقة بالله، إنما كان الفرج من الله بكلمة [فأوحينا] نتيجة إيمانية حتمية لمقدمة إيمانية حاسمة واثقة، إنها الثقة المطلقة بالله جاءت لنا بالبيان الإلهي لعبارة موسى الواثقة [كَلا إنّ مَعُيَ رَبِّي سَيهْدِيْن]، ليتخذ القرار المناسب لهذه الهجمة الفرعونية التي ليس لها دافع من الناس، هنا تأتي الترجمة العملية لثقة مفتوحة يعتقدها موسى -عليه السلام- بربه الكريم، يعتقدها العبد لله المؤمن المخلص في إيمانه في الله عزّ وجلّ.. فتدبر معي جيدا قوله تعالى في النجدة الإلهية [فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖفَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمَ]! لعلك لا تجد أدنى مسافة زمنية فاصلة بين الأمر والتنفيذ [فَأَوْحَيْنَا] [فَانفَلَقَ]؟!!.
- إنها جاءت بعد إعلان الثقة المطلقة بالله، وموسي -عليه السلام- كله ثقة، وحياته كلها ثقة بربه، الثقة المفتوحة بلا إغلاق، والمطلقة بلا تقييد، قالها موسى -عليه السلام- لقومه والبحر من أمامهم والعدو الاستثنائي الجبار في الأرض من خلفهم، يطاردهم وسيغرقهم لا محالة، فقال الذين اتبعوا وآمنوا لموسى: [إنا لمُدًرَكْون() قالَ كَلا إنّ مَعِي رَبّي سَيِهْدِين]، إنه التصريح النبوي الواثق المعتمد المتوكل على الله حق التوكل الذي لا يدلي به إلا من كان روحه نفحة من نفحات الله في هذه الحياة، وجزء من روح الله في هذه الأرض!
- قول نبوي كريم وعظيم، يرفع الإيمان إلى أعلى مستوياته، ثقة بالله مطلقة مفتوحة قد سمت بعقيدة المؤمنين إلى غايتها ونهايتها التي لا يعطيها الله لأحد من عباده إلا للأنبياء والمرسلين وحواريهم وأصحابهم الذين هداهم ورضي عنهم وأرضاهم. هذه الثقة المطلقة بالله في نسبتها المرتفعة وجدت في السماء العليا ما يناسبها في الغوث والاستجابة، فكان الجواب قول الله تعالى [فأوحينا إلى مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖفَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمَ]. اللهم امنحنا ثقة بك لا تهتز ولا تلين!.
أستاذ مشارك - كلية الآداب - جامعة تعز
يتبع 3
د. عبدالواسع هزبر
كَلِمَة اللّه فَأوْحَينَا إلَى مُوُسَى وأبْعَادُ الثقَة المُطْلقَة باللّه2 1170