كثيرون في المنطقة والعالم، يحتفلون في اللحظة الراهنة بمجرد «الصمود»، أو بالبقاء في المحل، لكن قليلين جدًا مَن يحتفلون في اللحظة الراهنة بـ»الصعود»، أو بالتأهل لدور إقليمي ودولي أكبر وأعظم، ولمسؤوليات لا قبل بها لغير الكبار.
وفيما تحتفل المملكة العربية السعودية بذكرى يومها الوطني، يتذكر الوطن مخاض الولادة، وصعوبات ما بعد الميلاد، وتحديات البقاء، ومعارك التنمية، بينما يجتاز في اللحظة الراهنة تحديات «الصعود» والتأهل لسباقات الكبار.
عايشتُ احتفالات المملكة بيومها الوطني عشرات المرات، وتابعتُ مستويات ودرجات من الاهتمام والحفاوة الإعلامية بالمناسبة الوطنية، كان يجري خلالها إصدار ملاحق خاصة بالمناسبة تتبارى إدارات الإعلانات في استثمارها لتحسين عوائدها.
لكنني كنت أرى دائمًا أن المناسبة تقتضي ما هو أكبر من احتفاءٍ عابر مغموس في تطلعات الكسب (المشروع بالطبع)، فما جرى ويجري فوق الأرض السعودية أعمق بكثير مما جرى ويجري فوق صفحات صحف تحتفي بالمناسبة، إما بالاعتياد، وإما بتطلعات لحصّة أكبر من إعلانات التهنئة بذكرى اليوم الوطني.
ما جرى ويجري على مدى ما يقرب من قرن من الزمان، هو عملية ولادة لوطنٍ كبير، اجتاز -بعبقرية الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود- كل آلام المخاض العظيم، وشهد معه شهقة الميلاد الأولى، مكابدًا تحديات دولية وإقليمية، كان أي منها كافيًا لإجهاض حلم الوطن لولا صلابة الملك المؤسس، وعمق بصيرته، وسداد رأيه.
مع أبناء الملك المؤسس اجتازت المملكة مرحلة البناء والتحديث، واستطاعت اجتياز تحديات خارجية كانت تستهدف تهديد صميم بقاء هذا الوطن، وواصلوا في نفس الوقت برنامجًا للنهضة، ترك بصماته إنجازات فوق أرض الوطن، يعيشها أبناؤه وينعمون بثمارها.
التحديات التي تواجهها المملكة اليوم فيما تحتفل بذكرى اليوم الوطني، قد تكون الأكبر على الإطلاق بعد تحديات سنوات التأسيس الأولى، فكلما كبرت أحلام وطن، زادت أعباؤه وزاد أعداؤه في نفس الوقت، لكن الطريقة التي خرجت بها المملكة لمجابهة تلك التحديات، كشفت عن ضخامة وعظمة المخزون والموروث من ذخيرة وطن، هيّأته المقادير لدور حيوي ومحوري في إقليم مضطرب، يتناوشه الخصوم ويتنافس عليه الطامحون والطامعون.
الموروث القيمي العظيم لهذا الوطن هو من استدعى شباب الجيل الثالث إلى مواقع القرار قرب دفّة القيادة، وهو من أتاح انتقالًا سلسًا وعظيمًا من جيل أبناء الملك المؤسس، إلى جيل أحفاد الملك المؤسس، عند فاصلة ظن كثيرون ممن لا يعرفون المملكة، ولا يستوعبون القيم والتقاليد الصارمة للأسرة السعودية الحاكمة، أنها محفوفة بالمخاطر، فإذا الوطن يُجدِّد حيويته، ويُعزِّز حكمة الشيوخ بحماس الشباب، وإذا بمجابهة التحديات، تنتقل بالوطن من طور رد الفعل إلى طور المبادرة، ومن طور الصمود، إلى طور الصعود.
السعودية التي تحتفل اليوم بذكرى يومها الوطني، استوعبت التحديات التي تواجهها، واستعدت جيدًا للتغلب عليها، وبينما كان الطبيعي والمفترض، أن تنشغل القيادة بمواجهة التهديدات الأمنية القائمة في الجوار الإقليمي، عن البحث في استحقاقات المستقبل، إلا أن حيوية الشباب في مواقع القيادة، حملت إلى الوطن حلمًا برؤية لمستقبله في٢٠٣٠، رؤية تعكس طموح الشباب وتجدد آمال الشعب السعودي في مستقبل لا يرتهن للنفط وتقلباته، وإنما لموارد هذا الوطن من الشباب الذين يجري تأهيلهم وإعدادهم في أرقى جامعات العالم من أجل أن يعود مساهمًا في النهضة، ومبدعًا لتجلياتها فوق أرض وطن اجتاز مرحلة الصمود، وبدأ طور الصعود إلى منصات التتويج إقليميًا ودوليًا.
كل عام والسعودية بألف خير، نهضةً، وتقدمًا، ورقيًا، وحريةً وعدالةً ومساواة، كل عام والسعودية أقوى.
عبد المنعم مصطفى
السعودية..من الصمود..إلى النهوض..إلى الصعود 1011