قال تعالى: [[ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ]] 00000 إلى قوله تعالى [[ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُون ]] " القصص: 7، 13".
في هذه الآيات الكريمات قصة المرأة الأم المرضعة المؤمنة بالله الواثقة بربها أيما ثقة، تضع وليدها في أمة التأميم للحاكم المدعي الحق الإلهي، فضلاً عن إدعائه الألوهية بقوله [ما علمت لكم من إله غيري]، تضع وليدها في أمة مُستعبَدة في حياتها العامة والخاصة على السّواء، في أمّة لا حقوق لها البتة، بل مُصَادرة بالكلية، حتى في حق الحمل الشرعي للمرأة والإنجاب ونوعه ذكرا أم أنثى؟! يُصادر المولود الذكر إلى رئاسة الدولة فيقتل أو يُتّخذ، وتؤخذ الأنثى للخدمة في السلطة العليا في البلاد؟!.

حق الحياة مصادر في تلك الأمة! فرعونها يستأصل المواليد الذكور ويذبحهم، ويستحي النساء ويستخدمهن لمصالحه، يطبق هذا في أقطار المدينة إلا في حاشية قصوره وحشمه ونشمه، هناك فقط في بعض البطون يسمح للذكور بالنماء والعيش المقيّد بترخيص منه لمن يشاء، لأنه يُربيهم تربية خاصة توافقه، يصنعهم صناعة خاصة له من دون الله منذ نعومة أظفارهم.

هذا الفرعون الطاغي، والحاكم الباغي، لم يهبْه الله الذكور ابتداء وقدرا، فهو لا يحبهم ابتداء للمواطنين من أبناء الشعب عامة، وعليه لا يجوز لهم أن يلدوهم ويمتلكوهم يوما، ولا يحق للنساء أن يحْبَلن؟! فإن وهب الله بيتا ذكرا فمصيره الذبح والموت المحتم! بتمييز سافر بين الطوائف، وتلك هي سنته الفرعونية التي سنّها في أمته ورعيته، ( يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين)" القصص: 4 ".
هذه الأم المباركة شاء الله لها أن تلد ذكرا، وهي في انتظاره، لكنه ليس كالذكور، فشأنه عظيم، إنه موسى -عليه السلام، فهو في علم الله النبي الرسول الكريم في المستقبل ومعه هارون إلى فرعون وملائه، لكن ما يفسد عليها حياته ووليدها فرعون زمانها، وما حيلتها أمام جنده لبقائه حيا يرزق بعيدا عن سطوة هذا الطاغي الباغي المتأله؟!.

امرأة مسكينة وضعت ذكرا، مواطنة من طبقات الشعب العادية، وفي ذلك الوضع الذكري مخالفة صريحة لقوانين البلد السائرة، وللرغبة الشخصية للذات الفرعونية الجائرة؟! إنها لا تطمح في نفسها أكثر من أن يعيش وليدها ويترعرع فحسب، وأنّى لها وفرعون يرسل سعاته ومليشياته بسكاكينهم إلى البيوت الوالدة ووإلى قابلات التوليد للتفتيش عن جنس المولود وطبيعته وتبعيّته؟!.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك- جامعة تعز.
⏪ يتبع 2