جلست مع أحد الشباب؛ فأخبرني أنه تعرّف على أحد المقاتلين الحوثيين يعمل إسكافياً في صنعاء.. الثقافة الموبوءة لدينا استدعت مشاعر الامتعاض عند هذا الشاب.. غير مدرك أن إنسانية الإسكافي، توارت خلف موروث المجتمع الجائر؛ وهي إنسانية مكتملة في حقيقتها، ومنهزمة في لاوعيها المقتنع بدونية وهمية؛ أفرزتها تراكمات الأيام، وأجبرتها على تطبيع الوضع وفق هذا الإطار المحدود من الآدمية.
الخطوة التي تسبق تأهيل هذه الفئات للقيام بأدوار فاعله في المجتمع؛هي التأهيل النفسي لهم لاستعادة إنسانيتهم المسلوبة،من قبل المحيط الجائر؛كخطوة أولى لبناء الذات المتهدمة في دواخلهم، وإبراز كينونتهم المغيبة جراء الأعراف الظالمة.
لتأتي الخطوة التالية،وهي التأهيل العلمي والأخلاقي؛ وقد تشبعوا بمشاعر الحب والعرفان والجميل، فينبثق شعور داخلهم أنهم- وقفاً لبناء الحياة وصناعة الأمل وإسعاد واقع الناس.
أما أخذهم من الأرصفة إلى جبهات القتال؛ مستغلين أسوأ ما فيهم، وهي عدائيتهم تجاه مجتمع تجاهلهم طويلاً.. فهذا انتهاك جديد لإنسانيتهم المنهكة؛ وإعادة إنتاجهم في نفس المستوى من العمى؛ولكن ببصيص سلطة تجعل منهم وحوش شرسة؛ تمارس فكرة الاستعباد التي مورست عليهم،،وبدماء باردة وتلذذ يبعث النشوة في نفوسهم.
المجتمع المتقدم لا يمانع أن يسلم قياده لماسح أحذية -وقد حدث ذلك -مادام يمتلك القدرات القيادية التي تؤهله، ليس في شروط التقدم لشغر منصب رئيس لديهم؛ أن يمتلك سلسلة نسب متواترة؛ ولا أن يرتكي لمكانة أسرية مرموقة.. كل هذه الترهات ذابت لديهم في قالب الإنسانية؛ ليصبح شرط المواطنة هو الأهم،.وأن يكون إنسانا فقط لا ينحدر إلى فصائل خارج هذا الحدود.
إذا كان لابد من الطبقية فلتتم وفقاً لمعايير الكفاءة وسيجد الحاكمون أنفسهم ذراً يطأهم الناس ولن يكون مستغرباً أن نرى ماسح أحذية رئيساً....
بين اشكالية التهميش وقذارة الاستغلال مازالت هذه الفئات في قوقعتها لم تغادر سوق النخاسة وثقافة الابتزاز لآدميتهم غير منتفعين بقيم الاسلام النبيلة ولا بقيم الحرية والمساواة التي ينادي بها أدعياء الحقوق والحريات..
د. عايش ابو صريمة
إشكالية التهميش وسوء الاستغلال 1016