;
عبد الرحمن الزبيب
عبد الرحمن الزبيب

الأمم المتحدة تغلق ملف العدالة الانتقالية في اليمن 992

2016-09-18 14:47:23


 تفاجأت بخبر قيام مكتب الأمم المتحدة بإغلاق ملف العدالة الانتقالية في اليمن أثناء زيارتي لمكتب الأمم المتحدة في اليمن قبل عيد الأضحى المبارك لعامنا هذا 1437هـ 2016م وفي آخر أيام الدوام الرسمي حيث قمت بلقاء مكتب الممثل المقيم للأمم المتحدة والبرنامج الإنمائي والاوتشا وذلك لدعوتهم لتعزيز دور الأمم المتحدة في المجال التنموي والإغاثة الإنسانية في اليمن لأن اليمن بحاجة ومتعطشة إلى الإغاثة الإنسانية والبرامج التنموية.
كما أن وطننا بحاجة إلى سلام دائم ومستدام وشراكة وطنية حقيقية مبنية على أسس عدالة انتقالية تنقل الوطن إلى مستقبل أفضل يسوده العدالة والإنصاف ولن يتم ذلك ما لم يتم تحقيق العدالة الانتقالية يشارك الجميع في صنعها بحوار ومشاورات وطنية لتصنع قناعة في تحقيقها للجميع وبمشاركة الجميع.
لن يتحقق السلام المستدام والانتقال من طاحونة الحرب ما لم تتحقق العدالة والإنصاف لأن جثث ودماء الضحايا وأهاليهم المكلومين ستقف حاجزاً وسداً كبيراً أمام تحقيق السلام ما لم تتحقق العدالة وتجبر ضررهم .
حيث يجمع مفهوم العدالة الانتقالية بين مفهومين هما العدالة والانتقال.
ولكن المعنى الدلالي الأدق للمفهوم يعني: تحقيق العدالة أثناء المرحلة الانتقالية التي تمر ﺑﻬا دولٌة من الدول.
وقد تفاجأت بإغلاق الأمم المتحدة لملف العدالة الانتقالية في اليمن ومنذ سماعي لذلك الخبر المؤسف وأنا مصدوم ولم أصدق ما سمعته وكنت أتمنى انه إشاعة خبر لا يمت للحقيقة بصلة ولكن للأسف الشديد الخبر صحيح ويتناقض ذلك مع أهداف الأمم المتحدة في مجال العدالة الانتقالية وتحقيق السلام باعتبارها المخرج الأفضل لمعالجة جروح والآم الوطن للانتقال بالوطن إلى مستقبل أفضل وصناعة سلام دائم ومستدام والذي نحن بأمس الحاجة إليه حالياً.
بالرغم من اهتمام الأمم المتحدة بالعدالة الانتقالية وتحقيقها في العالم لما لها من ايجابيات لتحقيق رسالة الأمم المتحدة الحقيقية المتمثلة في إيقاف الحروب وصناعة السلام المستدام في العالم.
 فبحسب مذكرة توجيهيه أعدها الأمين العام في شهر مارس 2010م حول ﻧﻬج الأمم المتحدة في شأن العدالة الانتقالية أوضحت في موجزها أنها توضح المبادئ التوجيهية والإطار الإرشادي لنهج الأمم المتحدة في شأن عمليات وآليات العدالة الانتقالية وهي تحدد الملامح العامة للعناصر الرئيسية لها وسبل مواصلة تدعيم هذه الأنشطة. وتستنير هذه المذكرة بالمذكرة التوجيهية المقدمة من الأمين العام عن ﻧﻬج الأمم المتحدة في شأن المساعدة في مجال سيادة القانون.
ويشمل مفهوم ”العدالة الانتقالية“ بالنسبة إلى الأمم المتحدة كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولة التي يبذلها اﻟﻤﺠتمع لتفهم تركة تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة وتعد عمليات وآليات العدالة الانتقالية عنصرا بالغ الأهمية من إطار الأمم المتحدة لتدعيم سيادة القانون.
تهدف العدالة الانتقالية في آن معا إلى إعادة الكرامة للضحايا وبناء الثقة بين جميع الأطراف  وتعزيز التغيرات على مستوى المؤسسات بمكافحة الفساد الذي عشعش في أركانها والتي يقتضيها تحقيق علاقة جديدة بين السكان من أجل مواكبة حكم القانون وأكدت على الأركان الأساسية للعدالة الانتقالية المتمثلة في :
1- كشف الحقيقة
2- جبر الضرر
3- الإصلاح المؤسسي
4- ضمان عدم تكرار الانتهاكات لحقوق الإنسان
5- المسائلة.
6- إيقاف ومكافحة الفساد: لكونه من أهم مسببات انتهاكات حقوق الإنسان حيث يعطل الفساد مؤسسات الدولة ويؤسس لتكرارها والحل ممكن إذا تم إيقاف الفساد واستكمال أركان العدالة الانتقالية يستوجب معها إعمال وتحقيق العدالة الانتقالية لنقل المجتمع من مربع الحرب والقتال الى مربع السلم والعدالة والبناء.
ولا يمكن أن تنجح العدالة الانتقالية ما لم يتحقق الإنصاف وجبر ضرر الضحايا وأن يكون جبر الضرر متناسبا مع مقدار الضرر والإمكانيات المتاحة فبحسب (المبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان) والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 2005 (الدورة الستون ـ 60) فإن للضحايا الحق في جبر ما يتكبد من ضرر، بحيث يكون الجبر متناسبا مع فداحة الانتهاكات والأضرار المترتبة عليها كما ويجب أن توفر الدولة وفقا لقوانينها المحلية والتزاماﺗﻬا القانونية الدولية، الجبر لضحايا ما تقوم به أو تمتنع عنه من أفعال تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والمتمثلة في الرد والتعويض وإعادة التأهيل والترضية وضمانات عدم التكرار.
والجبر العادل لضرر الضحايا يعتبر من اهم مؤشرات نجاح العدالة الانتقالية باعتبار جبر الضرر نتيجة مباشرة وملموسة للضحايا فيحقق الإنصاف ويعزز ثقة المجتمع بمنظومة العدالة الانتقالية .
كانت ومازالت فكرة إغلاق الأمم المتحدة لملف العدالة الانتقالية في اليمن فكرة سيئة جداً.
خاصة وأن هناك خطوات هامة تم انجازها خلال الأعوام الماضية للتمهيد لتنفيذ برنامج العدالة الانتقالية وأهم تلك الخطوات:
الخطوة الأولى:
 تشكيل وإنشاء لجنة معالجة قضايا الموظفين المبعدين عن وظائفهم في المجال المدني والأمني والعسكري ولجنة معالجة قضايا الأراضي بالمحافظات الجنوبية :
حيث شكلت تلك الخطوة قفزة كبيرة في مجال العدالة الانتقالية لأنها جاءت بشكل عملي ملموس وليس تنظير في الأوراق وفي بطون الكتب بل في الواقع العملي المعاش
حيث صدر قرار جمهوري بإنشائها في شهر يناير 2013م وباشرت أعمالها في جميع المحافظات الجنوبية بفريق عمل كادر بشري وطني مكون من مائتين شخص كانوا يعملون طيلة الأعوام الماضية كخلية نحل من الصباح الباكر وحتى منتصف الليل بشكل يومي حتى وصل عدد الملفات المستلمة من المتظلمين مائتين وخمسين ألف ملف ( ربع مليون تظلم) ونعني بذلك ليس شخص فقط بل تشمل تلك التظلمات عوائل واهالي اولئك المظلومين الذي سيستفيد الجميع من معالجة تلك التظلمات والتي تم فرزها وتصنيفها وإدخالها يدوياً والكترونياً وبقيت فقط مرحلة المعالجة والتعويض فمن غير المعقول إيقاف عمل تم انجاز أصعب مراحله وبعد أن أصبح في مراحله الأخيرة بالإضافة إلى تأكيدنا أن اندفاع المتظلمين لتقديم تظلماتهم كانت نتاج ثقة وأمل في إنصافهم والذي يصعب تكرار ذلك مستقبلاً وبذلك تكون ملفات التظلمات التي تم استلامها وثائق هامة يستلزم الحفاظ عليها واستكمال إجراءاتها بتعويض وجبر ضرر الضحايا واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرارها مستقبلاً بإصلاح مؤسساتي ومكافحة الفساد.
 تشرفت بكوني كنت احد أولئك الموظفين والذين مازالت ذكرياتهم تلوح في قلبي وروحي لأن ما كان يجمعنا سوى هدف واحد إنساني وهي إنصاف المظلومين وجبر ضررهم كنا نعمل طوال اليوم ونحن نأمل أن نشاهد ابتسامة أولئك المظلومين بعد إنصافهم ويا لها من ابتسامة لو تحققت كنا ومازلنا نعتز بذلك العمل المتمثل في إنصاف المظلومين لأنها رسالة سامية وقد اكتسب خلال سنوات العمل فريق العمل مهارة وخبره كبيره كان من المفترض استمرار وتعزيز دورهم لمعالجة ملف الأبعاد عن الوظيفة العامة ونهب الأراضي الخاصة والعامة في الجنوب وللانتقال فيما بعد لانجاز تلك الملفات في جميع محافظات ومناطق الجمهورية تنفيذاً لما نصت عليه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني بهذا الخصوص وحتى دراسة إمكانية استفادة المجتمع الإقليمي والدولي من تلك التجربة الايجابية الذي اعتبرها نقطة بيضاء في سواد ليل كالح.
كما أنه بالإمكان الاستفادة من تلك الخبرات في تنفيذ كامل أركان العدالة الانتقالية.
ولكن للأسف الشديد تم تجميد ذلك البرنامج العملاق بالرغم من توافق الجميع محليا وإقليميا ودولياً بأهمية ذلك العمل حيث كانت هناك بصمات كبيرة وايجابية للأمم المتحدة في تقديم الدعم الفني اللازم لانجاز العمل ولإخراجه إلى حيز الوجود.
كما التزم المجتمع الوطني والإقليمي والدولي بتقديم التمويل والدعم اللازم لتعويض الضحايا وتم إنشاء صندوق تعويضات وتعزيز ذلك الصندوق بمائتين مليون دولار منحة قطرية دفعة أولى( ملحوظة: تم صرف اثنين مليون دولار فقط منها للمتظلمين والمتبقي مازال في البنك المركزي حتى الآن) يليها دفعة ثانية بمائة وخمسين مليون دولار أمريكي والتزمت كثير من الدول بتعزيز ورفد صندوق التعويضات بالتمويل اللازم.
مازال الجميع عندهم أمل ليتجاوز به الألم ولكي لا ينقطع حبال الأمل تلقيت اتصالات كثيرة من عدد كبير من الذين تقدموا بتظلماتهم إلى لجان معالجة الإبعاد عن الوظيفة والأراضي وكنت أوضح لهم أن اللجان مازالت موجودة ومشغولة باستكمال التجهيز لمعالجة تلك التظلمات وكنت مازلت لدي قناعه بأنه لا يمكن أن يتم إيقاف قطار العدالة الانتقالية ليصطدم الجميع بجدار صلب من الألم خالي من الأمل في تحقيق العدالة والإنصاف.
ولكن فجأة ودون سابق إنذار نتفاجأ بقيام الأمم المتحدة بإغلاق ملف العدالة الانتقالية في اليمن والذي كان يضم كوكبة من الموظفين الجادين في انجاز العدالة الانتقالية.
والذي نخشاه أن يتفكك ذلك المشروع الجيد ونبدأ فيما بعد في البناء من جديد.
الخطوة الثانية:
صدور قانون المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية:
بالرغم من الملاحظات والمآخذ الكثيرة على ذلك القانون ولكنه صدوره بتوافق جميع الأطراف بشكل عام خطوة متقدمة نحو تقنين وشرعنه العدالة الانتقالية تمهيداً لتنفيذها على أرض الواقع والذي للأسف الشديد توقفت إجراءات تنفيذ القانون المذكور ومازال حتى الآن حبر في ورق يستلزم إنعاشه وإعادة إحياءه وتفعيله وبما يؤدي الى تحقيق العدالة الانتقالية وإعادة ثقة المجتمع في القانون والمؤسسات التشريعية في الوطن .
وفي الأخير:
نرفع الى الأمم المتحدة بأهمية إعادة النظر في قرار إغلاق ملف العدالة الانتقالية في اليمن وان يتم إعادة تفعيله وتعزيزه كونه من أهم الملفات المطلوبة والهامة لوطننا خلال هذه الفترة الحالية لتحقيق السلام الحقيقي المبني على العدالة والانتقال إلى مستقبل أفضل واستكمال الأمم المتحدة للجهود والإمكانيات الفنية التي قدمتها خلال الأعوام الماضية لملف العدالة الانتقالية والاستفادة من الخبرات الكبيرة التي اكتسبها الكادر البشري الذي اشتغل فيها لتعزيز دورهم لاستكمال ما بدءوه من عمل لمعالجة قضايا الإبعاد عن الوظيفة العامة وقضايا نهب الأراضي العامة والخاصة في الجنوب وللشروع في تنفيذ ذلك على مستوى الوطن بشكل كامل واستكمال إجراءات العدالة الانتقالية بما يعزز من فرص السلام المستدام والذي لن يتحقق ما لم يتم تعويض الضحايا وجبر ضررهم و يتواكب ذلك مع إصلاح مؤسسي يوقف ويقضي على الفساد لضمان عدم تكرار ما حصل من انتهاكات لحقوق الإنسان.
 كما نؤكد على جميع القيادات الوطنية بالاهتمام بملف العدالة الانتقالية وإعادة تفعيله وتشغيله ليتجاوب الجميع وفي مقدمتهم الأمم المتحدة مع دعوتنا وتتراجع وتعيد النظر في قرارها بإغلاق ملف العدالة الانتقالية في اليمن.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد