📖 قال تعالى: [ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبين() فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِين ] "القصص:18-19".
🔵 على المؤمنين أصحاب الحق الذين يحملون المبادئ السامية، والقيم العليا، والأخلاق الفاضلة ويبلغونها إلى الناس أن لا يشغلوا أنفسهم بالقضايا الدونية والمشكلات الجانبية، وأن لا يُعطوها أكثر من حجمها، وأكثر مما تستحق جهدا وزمنا، بمعنى أن لا يُغرقوا أنفسهم في معمعاتها وتعرجاتها ومشاهدها، ثم يبالغون في التفاعل معها فتتلوّث أيديهم الطاهرة في الدماء الزاكية البريئة استجابة للأفعال الاستفزازية الآنية، عليهم فقه أولويات القضايا وتقديم السلم على الحرب، كي لا يسارعون للاشتراك في سفك الدماء إلا بالقدر الذي فيه يتم الحفاظ على بيضة الدين ومقدساته وأهله والنفس والعرض والمال دفاعا وتخليصا لا هجوما ابتداء، وذلك عند الضرورة التي قد أخذت حقها من الدراسة، وحتى لا يقعوا تحت طائلة التحريش أو التحرش السياسي والاستدراج الأمني بهم من قبل الأعداء المتربصين بهم.
🔴 عليهم الحذر واليقظة من استدراجهم إلى منحدر الذين انحدروا بالكلية إلى منحدرات البغي والتجبّر على الخلق، والإرهاب والبطش والانتقام، كأولئك الذين ينتسبون إلى الدين ويتسمون بأسمائه ويوسمون أنفسهم بمصطلحاته، ثم يُفسدون في الأرض تطرفا وإرهابا، ويسفكون الدماء البريئة ويهلكون الحرث والنسل باسم الدين والقرآن، والقرآن والإسلام بريء منهم ومما يصنعون، ثم يرتمي هؤلاء المفسدون في أحضان الأعداء، وينخرون في دينهم وبلدهم وشخصياتهم، ويصيرون قتلة لا دعاة، باغين لا مبلغين،ّ يستخدمهم العدو لقتال خصومه وتصفية الذين يريد تصفيتهم نيابة عنه في أوطانهم.
🔴 فأهل الحق في هذه الأرض مهمتهم الأساسية هي إقامة العدل والقسط بين الناس، ونشر السلم والسلام، وتعبيد الناس لله، ونصرة المظلوم الحق وإغاثة الملهوف الذي يستحق كل بقدره، وإصلاح الأمة بالإسلام وشريعته، دون اعتماد السلاح والإنذار والتهديد والترهيب كطريق لا بديل عنه في التبليغ والإرشاد.
🔴 مهمة المصلحين الأساسية هي إقامة قيم العدل والإصلاح ما استطاعوا، وقد توجّه الخطاب لموسى -عليه السلام- بهذا الصدد من أحد المتخاصمين صراحة لا تلويحا ولا تعريضا ولا إشارة، وحدد له خطورة الانحراف عن المهمة الأساسية في الأرض، وهي إقامة العدل والإصلاح بين الناس [ قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْس إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِين ].
💢 هي رسالة وصلت إلى موسى -عليه السلام- من الذي من شيعته أو من الذي من عدوه على الاحتمالين التفسيرين، خلاصتها أن المعركة هي في الأساس مع فرعون جبار الجبارين ومن يسلك طريقه، مع الحاكم الطاغي الباغي الخصم الحقيقي لهذا الشعب ولهذه الأمة، المعركة والقوة لا ينبغي أن تتبدد مع عدو جزئي فرعي، في مشكلة جانبية طارئة في مدينة، أو في سوق، أو في قرية لمجرد صراخ وتظلم غير مؤكد.
🎯 ليست المعركة يا موسى مع فرد يفتعل المشاكل هنا وهناك في الأزقة والشوارع، وعلى قارعة الطريق، ثم يستنفر الناس لنجدته ولنصرته ولإسعافه، إنها قمة البلاهة والنذالة والحقارة أن يفتعل بعض الناس المشاغبات والفوضات ثم يريد هذا البعض من الأتقياء الأخيار والمواطنين الأبرار والمجاهدين الأبطال والمقاومين الكبار أن يلتفتوا لهذا المربع الكمين، وينجرّْوا لحل المشاكل والاعتناء بقضايا ومشكلات ممكن يفصل فيها أناس عاديون من أوساط عامة الجنود والأتباع وأبسطهم، ويكون توفير جهد القيادات للمهمات الكبرى والصعبة.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك- جامعة تعز.
⏪ يتبع 3
د. عبدالواسع هزبر
صرخات المبطلين استدراج للمؤمنين بالأمس واليوم 910