قدمت التجربة التركية وفق نجاح مؤسسات (حزب العدالة والتنمية) الاقتصادية والتعليمية وأعمالها التنموية رغم ضغوط المؤسسة العسكرية والتحديات الدولية وارتفاع أصوات الإلحاد والعلمانية أبرز دليل يصب في مصلحة نجاح المنهج الإسلامي من غير الاضطرار إلى أصوات المنابر العالية والشعارات الرنانة ولكن بتجسيد الكفاءة والقوة والإتقان والأمانة وتطبيق قواعد فقه الموازنات والأولويات والسياسة الشرعية.
وهو يدل على نجاح مشروع الدعوة الصامتة والتي تثبت أن الدعوة بالأحوال واستقامة الأفعال أبلغ من الدعوة بالأقوال التي قد يحصل بها سرعة التأثر لكن يعقبها غالباً سرعة التبخر، وأن التبليغ بالقدوة أوقع من البيان بالخطبة. فالتجارة الرابحة حاليا هي القدوة السلوكية الصالحة وحسن المعاملة قبل الوعظ والمجادلة والتربية بالأحداث المشاهدة أعمق أثراً من الكلمة المسموعة.
ولما سأل عروة بن الزبير أم المؤمنين عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت (كان خلقه القرآن) متفق عليه.
أو كما عبر بعضهم عن ذلك بقوله (كان قرآنا يمشي بين الناس على الأرض) ولذلك لما قال لقريش أرأيتم لو أني مخبركم أن عدوا مصبحكم أو ممسيكم أكنتم مصدقي؟ فقالوا (ما جربنا عليك إلا صدقا) متفق عليه، فالإنسان أسير الإحسان.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ** فطالما استعبد الإنسان إحسان.
وحسبنا أن بلاداً كأندنوسيا وهي كبرى البلدان الاسلامية يقدر سكانها ب 250 مليوناً نسمة قد فتحها التجار العرب من عمان وحضرموت والساحل الجنوبي لليمن في وقت مبكر بغير حرب وإنما بأخلاق الأمانة والصدق والعفة.
وبذلك استدلت خديجة على صدق نبوته حيث لما رأته فزعا بعدما رأى جبريل عليه السلام يسد بجناحيه الأفق قالت له كما في البخاري (والله ما يخزيك الله أبداً) وذكرت جميل أخلاقه والتي تنفي شبهة الكذب والجنون عنه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وصدق الله (وإنك لعلى خلق عظيم).
إنه من المهم لدعوة الغرب إلى الإسلام أن يلمسوا منا تفوقا في جوانب القيم والأخلاق بعد أن صد كثيرا منهم عنا تخلفنا المادي في العلوم والتقنية وهو الجانب الذي يفهمون وله ينصاعون لما رواه البخاري عن علي وابن مسعود قولهما (خاطبوا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يكذب الله ورسوله).. و(ما أنت بمحدث قوما لا تفقهه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)..
لا خيل عندك تهديها ولا مال** فليسعد النطق إن لم يسعد الحال.
وعلى العكس حين تبرز الدعوة الصامتة في جانبها السلبي!.
بعض الدعاة غفر الله لنا ولهم فتنة زمن فرون يدعون الناس إلى الله ويرغبونهم في الجنة والأخلاق الحسنة وجمع الكلمة بأقوالهم لكنهم يصدون عن سبيل الله ويزجون بهم في النار والتنازع والفرقة بأفعالهم من حيث لا يشعرون (كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون) فيقدمون بذلك على الدعوة أسوأ شهادة زور (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور).
(يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار )
(ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا..)
اللهم ارزقنا علما نافعا وعملاً صالحاً وحسن الدعوة إليك وحسن الختام وأعذنا من فتنتي القول والعمل يا رب العالمين.
عمار ناشر العريقي
العمل الصامت لا يقل تأثيراً عن الكلام الصادق 1026