💥 قال تعالى : [{ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِه وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ()قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ()قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ }] " القصص: 15-17" .
📚 لمّا دخل موسى -عليه السلام- المدينة التي هي في الأساس تقع في قبضة فرعون وحكمه، وكان قد اختار زمن الدخول المستخفي الذي يقع في ساعة غفلة الحاكم الظالم، أو في حالة انشغاله بأمر ما في بلاطه، أو خفية في ليل شديد سواد الظلام، نظرا للأجواء المتوترة بين الطرفين الحاكم في سلطانه، وآحاد أفراد الشعب الناقمين، الأجواء المتوترة الناتجة عن النصائح الدينية الموسوية المقدمة لفرعون وهامان وجنودهما، وهي التي أحدثت الانزعاج المؤلم في البلاط الفرعوني.
🎯 فكان موسى -عليه السلام- يتحرك بيقظة وحذر وخوف، لأنه معرّض للإيذاء، ومطلوب للمحاسبة والمسائلة والمحاكمة، وإذا به -عليه السلام- يقف في هذا الحين الغافل على رَجُلين معتركين، أحدهما من شيعته، أي من بني إسرائيل، والآخر من عدوه، أي قبطي من اتباع فرعون، فاستغاثه صاحبه فنصره الذي هو من شيعته، ولكن النصر كان بقتل الخصم لا بدفعه ، أي قضى عليه، تلك الحادثة المستفزة الخاطئة التي تلقته في الطريق فأخطأ في حسابها وتقديرها وتقريرها وانجرّ إليها انجرارا، فأحدثت عنده غضبا وقتلا غير قاصد، وقيل فعل في هذه المرة ما هو واجب عليه في نصرة المظلوم المستغيث، لكنه قتل النفس التي لم يؤمر بقتلها!
💢 موسى - عليه السلام -الرجل القوي المستوي في عقله وحكمته، الذي بلغ أشده في قوته وبنيانه لم تأخذه العزة بالإثم والعدوان والأناوية البغيضة، والذاتوية المستمرأة في الخطأ، والعندية المستعصية، ذلك أنه رسول حق، وداعية سلام، ومصدر أمن وأمان في الأساس، والتعويل عليه في تغيير الطغاة والطغيان، والبغاة والبغيان، وتحرير الإنسان من عبادة الفرعون والهامان إلى عبادة الله الواحد الدّيان، فلا بد أن تبلغ الشفافية عنده منتهاها، ولا بد أن تبلغ المكاشفة في تفكيره غايتها فيحدث مراجعة ومحاسبة ذاتية .
🔴 لهذا وذاك وجدنا موسى -عليه السلام- يقدم الاعتذار لربه مباشرة عن فعلته التي فعل، وتاب وأناب ورجع إلى الله مولاه فهو مصدره في التلقي، ووجهته في العبادة والسياسة، ومدده في الإصلاح والتغيير، وهو قائد مؤمن في الدنيا ولا قائد يقوده فيها إلا الله، ولا قيادة توجهه ويتلقى عنها إلا قيادة الله في عرشه عزّ وجل، ولذلك وصف موسى -عليه السلام- فعلته بأنها عملية لا يقبلها الله ولا تخدم دينه، هي عملية غير إنسانية، وأنها غير لائقة به كرجل يحمل مبادئ المصلحين، وأنه صاحب خير وفضيلة، وداعية رحمة وسلام، وعليه ندّد بالسوء الذي أمرته به نفسه، وسوّلت له فعله، فاعترف بسرعة غضبه وتهوره، وكان وصفه للحادثة غاية في النكارة المبطن بالاعتراف باقتراف الخطأ الشنيع، وهو إزهاق نفس وتلبية صارخ ومستصرخ يُحسب عليه ومن شيعته على عدو له.
♦وقد يكون هذا الإسرائيلي المستصرخ على حق وصدق، وقد يكون على كذب مفتعل، لكن القتل كان قد وقع، لذلك لما قضى موسى -عليه السلام- على القبطي بتلك الوكزة القاتلة، حكم على نفسه بقضائه فورا بعد الحادثة، وحدّد حيثياتها، ووصفها بدقة متناهية، وتبرأ من عمله وفعله في هذه الحادثة، فهو في نظره عمل شيطاني بامتياز [{ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِين ٌ}].
أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك- جامعة تعز.
يتبع 2
د. عبدالواسع هزبر
موسى المثل الأعلى في المراجعة والمحاسبة1 883