قال تعالى: [{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ()وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِه وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ()قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ()قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ()فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ()فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ }] " القصص: 14-19".
📚 الناظر في هذه الآيات القرآنية بتدبر وإمعان نظر، وكذلك في كل آيات المواجَهة بين موسى -عليه السلام - وفرعون من جهة، وبين موسى وبني إسرائيل من جهة أخرى يرى فيها أن موسى - عليه السلام - قد تأهل في جسمه، واشتهر في شخصه واسمه، وفي عقله وحكمه، وقد برز فقهه، وطلع نجمه، وعرف عنه الناس قوته ووسمه، وفي معرفته وخبرته وتجربته بالطغاة الظالمين عن قرب، وما تشكل تلك الثقافة الدينية والنبوية من خطر حقيقي للحياة الفرعونية والهامانية والمعرفة التامة بهذه الحياة من الداخل، وكذلك لم يكن في منأى عن المشاركة الفعلية للعيش مع الشعب المظلوم المقهور المغلوب على أمره وتلمس همومه ومناصرته بلسانه ويده مباشرة
🔶 لذلك كانت حياة موسى -عليه السلام- مُرَاقَبة من فرعون وهامان وجنودهما وعيونهما، وصار الطرف الحاكم يخاف جانب موسى على سلطته وسياسته وملكه، ولِما يملكه من أوراق الحق المبين التي تدحض ادعاءات فرعون وتجاوزه لحدود الإنسان المخلوق، واستعباده للناس من دون الله، فقد كانت سلطة فرعون تتابع موسى -عليه السلام- وتلاحقه وترصد حركاته ومحاولة توريطه بأشياء مخلة ومشينة، بها يُفضح على الملأ، لتجمع حوله ما يدينه، وبناء عليه يتم القضاء على نابتة موسى ودينه الجديد وما يحمل من أفكار تغييرية إيجابية، وذلك قبل أن ينتشر أمره ويُبلغ الناس دينه فيلتف الناس حوله، ويتبعون دعوته، فيظهر كفر فرعون وقومه، وينقلب عليه الملأ والشعب جملة وتفصيلا.
⬛ إن من نظام الأعداء ومخططاتهم أنهم إن رأؤا في أهل المبادئ الحقة، والكلمات الصادقة تحقيق الخير لشعوبهم، والنهضة بأوطانهم، مع تمتعهم بالقوة والفتوة والفكر والأخلاق، وقدرتهم على البناء والتنمية، وعزمهم على نشر قيم العدالة والحرية والحوار والمواطنة المتساوية، وصناعة الاستقرار والسلام في الأوطان، فإنهم يحاولون بكل ما يملكون في سبيل قطع الطريق على نجاح الخير وإنجاز الفضيلة أيا كانت نسبة النجاح أو نسبة الإنجاز وتحقيق ذلك في الواقع..
⬛ كذلك إن رأى الأعداء أن أهل المبادى السامية ممكن يمتلكون القرار والتوجه في اعتماد التنمية البشرية والمدنية المنشودة، والاهتمام بقضايا الشعوب وتقديم الحلول لمشكلاتهم بالخدمة والتغيير الاجتماعي والسياسي، ورفع المظلومية عنهم في البلد بالوسائل الشرعية السلمية، وبسط الأمن والأمان والسلم الاجتماعي، ونشر أخلاقيات التعايش والتعاون في أوساط الناس، ومحاربة العنف والتطرف والإرهاب أيا كانت أشكاله ومصادره، وتحقيق النماء والرخاء الاقتصادي الفعلي، وكسب قلوب الناس ورضاهم، فإن الأعداء الطغاة البغاة المتربصون هنا يفقدون عقولهم، ولا يستطيعون السيطرة على أعصابهم، نظرا لما يرون من الخطر القادم على حكمهم، وعلى سلطانهم الدائم، وعلى ما يعتقدون ويعبدون ويمارسون من طقوس أو يْتِعبّدون به من الناس ؟!
يتبع2
د. عبدالواسع هزبر
اكتمال البنيان يُغرِي العدوان ويستصرخ أولياء الشيطان1 929