- قال تعالى : [{ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ()قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ()فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ() فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}] "القصص: 16-19".
- يقول تعالى مخبرا عن ندم موسى -عليه السلام- على ما كان من قتله النفس التي قتلها، وتوبته إليه منه ومسألته غفرانه من ذلك [{ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي }] بقتل النفس التي لم تأمرني بقتلها، فاعف عن ذنبي ذلك واستره عليّ، ولا تؤاخذني به فتعاقبني عليه. وكذا قال في الآية بعدها : فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه أي يستغيث به على قبطي آخر، وإنما أغاثه لأن نصر المظلوم دين في الملل كلها على الأمم، وفرض في جميع الشرائع.
- فـقَالَ موسى رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ بالتوبة والمغفرة، والنعم الكثيرة، فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا أي: معينا ومساعدا لِلْمُجْرِمِينَ أي: لا أعين أحدا على معصية، وهذا وعد من موسى -عليه السلام- بسبب منة اللّه عليه، أن لا يعين مجرما، كما فعل في قتل القبطي. وهذا يفيد أن النعم تقتضي من العبد فعل الخير، وترك الشر.
- فأصبح موسى في مدينة فرعون خائفًا يترقب الأخبار مما يتحدث به الناس في أمره وأمر قتيله، فرأى صاحبه بالأمس يقاتل قبطيًا آخر، ويطلب منه النصر، قال له موسى: إنك لكثير الغَواية ظاهر الضلال.
- فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ موسى بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ له وللمخاصم المستصرخ، أي: لم يزل اللجاج بين القبطي والإسرائيلي، وهو يستغيث بموسى، فأخذته الحمية، حتى هم أن يبطش بالقبطي، فقَالَ له القبطي زاجرا له عن قتله: { أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ } لأن من أعظم آثار الجبار في الأرض، قتل النفس بغير حق.
{ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ } وإلا، فلو أردت الإصلاح لحلت بيني وبينه من غير قتل أحد، فانكف موسى عن قتله، وارعوى لوعظه وزجره، وشاع الخبر بما جرى من موسى في هاتين القضيتين، حتى تراود ملأ فرعون، وفرعون على قتله، وتشاوروا على ذلك.
📚 وقيل : فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما» لموسى والمستغيث به «قال» المستغيث ظاناً أنه يبطش به لما قال له «يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن» ما «تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين» فسمع القبطي ذلك فعلم أن القاتل موسى فانطلق إلى فرعون فأخبره بذلك فأمر فرعون الذباحين بقتل موسى فأخذوا في الطريق إليه.
يتبع
د. عبدالواسع هزبر
موسى الرسول الداعية بين الخوف والإخافة2 895