قال تعالى:[{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ()وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِه وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ }] " القصص :14-15" .
- في هاتين الآيتين القرآنيتين إشارة واضحة إلى أن نبي الله ورسوله موسى -عليه السلام- كان قد بدأ ثورته التغييرية لحلحلة الطغاة البغاة المتألهون الذين يُمثلون سلطة فرعون وهامان وجنودهما وأتباعهما، بدأت رسالة الإله الحق في الوجود تصل إلى فرعون بأرقى الأساليب وألينها، كما زامن موسى في رسالة التبليغ نقد واقع الطغيان الشعبي الفردي المتأصل خصوصا بعد أن بلغ أشده وآتاه الله الحكمة والنبوة وتعليمات التغيير وإرشاداته ووسائله وكيفياته، لكن لفرط قوة فرعون وبسط حكمه ونفوذه على الأفكار والأعمار والديار، وجثومه على الحقوق العامة والخاصة للناس وجثوا الأخيرين بين يديه وعبادتهم له وللأصنام من دون الله..
- لذلك فقد كان موسى -عليه السلام- يتعامل مع جذور دولة فرعونية عميقة، وشعب متأثر بها، وكان الإنسان في أيام الفرعون قد دخل مرحلة الاستخفاف به وتسفيهه وإذلاله وإلغاء آدميته وكرامته وتوقيف العمل بعقله وإرادته، والشعب المتشوق للحرية مصاب باليأس والقنوط والإحباط، ولا فرق في هذا الدرك الحيواني بين الإسرائيليين والأقباط، وموسى -عليه السلام- منوط به من قبل ربه دفع عجلة التغيير إلى الأمام، ولكنه يحتاج إلى التخلص من حالات الانفعال القاتل، والاستجابة الغاضبة للنداءات المشبوهة والوقوع في شباك الحوادث الجانبية المفتعلة! وقد تلقى من ذلك حوادث وتجارب فأخطأ وأصاب ثم تاب وأناب.
- وهذه نبذ تفسيرية إجمالية لأهم ما قاله أهل التفسير الأثري والعقلي، كما جاء في تفاسير الطبري، والجلالين، وابن عاشور ، والسعدي، في هاتين الآيتين وما بعدهما، بتصرف يسير، في هذه الحلقة والثانية.
- لَمَّا بَلَغ موسىَ أَشُدَّهُ من القوة والعقل واللب، وذلك نحو أربعين سنة في الغالب، وَاسْتَوَى بنيانه الجسماني والعضلي والعقلي وامتلك القوة وكملت فيه تلك الأمور آتَيْنَاهُ حكما يعرف به الأحكام الشرعية، ويحكم به بين الناس، وعلما كثيرا، وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ في عبادة اللّه المحسنين لخلق اللّه، نعطيهم علما وحكما بحسب إحسانهم، ودل هذا على كمال إحسان موسى -عليه السلام.
- ودخل موسى المدينة مستخفيًا وقت غفلة أهلها، فوجد فيها رجلين يقتتلان: أحدهما من قوم موسى من بني إسرائيل، والآخر من قوم فرعون، فطلب الذي من قوم موسى النصر على الذي من عدوه، فضربه موسى بجُمْع كفِّه فمات، قال موسى حين قتله: هذا من نزغ الشيطان، بأن هيَّج غضبي، حتى ضربت هذا فهلك، إن الشيطان عدو لابن آدم، مضل عن سبيل الرشاد، ظاهر العداوة.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك- جامعة تعز.
يتبع..
د. عبدالواسع هزبر
موسى الرسول الداعية بين الخوف والإخافة1 888