تعز الحبيبة، هكذا يروق لي أن أسميها، في السلم حبيبة وفي الحرب حبيبة وفي الحب حبيبة أيضا.. شوهتها قطعان الاحتراب واغتال جمالها عقليات المجون السياسي لوثت هدوءها مخالب البنادق وأنياب كائنات جاءت من رحم السعير، عبثت بليلها وبرها بواريد القبح ودنست صبحها بفحيح البغي والإجرام.
حاصرها الجوع وفتت أوصالها العطش.. طوقها الظلام الدامس والصبح العابس منذ شهور البلاء.
مآذنها تصدح بوجل شفيف وحزن عفيف تنادي حيّ على الفلاح بينما المارقون ينهشون الأرض ويدمرون الحرث ويهدمون الجدران العامرة ويئدون كل فلاح وكل عمار.
اليوم لا شيء يبرق في تعز إلا تنهيدات المقهورين ودعوات الثكالى بأن ينجي المولى اليمن وتعز من كل شيطان مارد.. لا شيء يومض فيها إلا صفير الانذارات والهلع اليومي وأزيز الطائرات وزمجرة البنادق الباطشة وفحيح القذائف الطاغية.
التعزيون في كل بيت فيهم من الحرب جروح ونزف غائر وألم متأصل وغبن لن تداويه سنين الأنين القادمة.
بيوت هدمت، عمارات دمرت، أسواق انهارت ولم تعد للحياة أي طريق تعبر منه.. ليس هناك سوى آلة حرب تتسيد عقول القطعان المتحاربة ومازال المشهد الدموي جاثماً.
أرض محروقة، أشلاء منثورة، مقابر مفتوحة، كل ثانية تستضيف الأبرياء.. تعز لم تعد تعز التي نعرفها شوارع غطتها الخرائل وأرصفه تلثمها الأدخنة والرماد.. الحرمان والخوف يغطي وجوه المارة رغم ندرتهم وما يخرجون إلا كي يبحثوا عن بقايا رغيف وشربة ماء تسد رمق من يعولون بحذر ورعب يحف خطاهم المرتعشة.
القذائف تجوس خلال الديار وتتمطى بخبث وتشوه كل حلم وتفتت كل غد حالم وتقتل كل أمنيات الصغار الذين شاخوا قبل الأوان ودقات نبضهم تفجرت أسى وحسرة, لكنهم تعلموا درسا لن ينسوه، أن الوطن يستحيل أن يبنيه الأوغاد.
الموت فقط يتحرك في تعز، حيث لا وقود ولا رغيف ولا كهرباء ولا غاز ولا طرقات ولا مشافي إلا ما رحم ربي أما القتل فيسير على ما يرام في أوحش صوره.. رغم كل ذلك فتعز تعد قاتليها الأوغاد أنها لن تموت.. ولكن إلى متى والى أين وماذا تبقى كل تذبحوه يا من دنستم تعز واليمن عامة برجسكم؟ إلى متى؟
فما أعظمكم يا أطفال تعز وأنتم تواجهون القبح برجولة عظيمة، تبحثون عن شربة ماء وكسرة رغيف يابس ببسمة ناحلة هي كل الرجولة في زمن الخذلان !!!!
ما أعظمكن يا نساء تعز وأنتن تواجهن كل معاناة وعذاب العيش بكد وصبر جم وتسلخن الحياة من جلد الموت المقيت بوطنية فائقة عجز عنها أشباه الرجال !!!!!
فليس هناك عظمة أكثر من أن يقف أحد شعثاء نقاط الحراسة أمام عظمتكن ليعلن انهزامه ويقول أمامنا جميعا؛؛( لولاكن يا نسوان تعز، و لولا تمسككن ببيوتكن وحياتكن، لكنا دككنا تعز دكا دكا، فما منعنا إلا إصراركن العجيب هذا)!!!!!
ما أعظمكم يا أهل تعز الأبرياء !!!!!
سمية الفقيه
تعز رغم الموت..لن تموت 1314