قلنا إن الشعب يريد بنا يمن جديد، ربما الرئيس المخلوع وأتباعه لم يفهموا، والصحيح أنهم لا يريدون يمنا جديدا وموحدا ومستقرا، بل ولا بمقدورهم استساغة أن يكون لليمنيين تطلعات وأحلام وآمال، وفوق ذلك يمكنهم تحقيقها.. كيف لا وهم الذين ظنوا زمنا أن بلاد اليمن ليست إلَّا إقطاعية خاصة بهم فيما شعبها مجرد رعاع وأقنان.
شعب اليمن في معظمه مع دولة اتحادية، تهامة اليوم غير تهامة الأمس، فتعز ما بعد ثورة 11 فبراير 2011م غير تعز قبلها، الجنوب ما قبل حرب صيف 94م غير الجنوب ما بعد انتفاضته المبكرة، وعدن ما قبل النكث بوثيقة الحوار الوطني " وثيقة العهد والاتفاق " سنة 94م غير عدن ما بعد الحراك والثورة والحوار وحتى الانقلاب على الرئاسة والحكومة 2015م.
الرئيس المخلوع مازال مسكونا وبزهو عجيب بما حققه وأحرزه من نصر عسكري في حرب صيف 94م، الرجل وهو في غمرة زهوه نسي وغفل حقيقة أنه ما كان سيجتاح محافظات الجنوب ويحسم المعركة لولا توافر له أسباب ومعطيات هذا الانتصار.
من هذه الأسباب أنه وقتها رئيسا شرعيا، لا مثلما هو حاله الآن كرئيس سابق وتم أزاحته بثورة شعبية عارمة وليس بانتخابات. ومن أسباب انتصاره انه وحتى ذينك الوقت كان مازال محل ثقة شريحة واسعة، علاوة على أن هذه الحرب تم خوضها بدعوى حفظ الوحدة ودحر قوى الردة والانفصال.
الرئيس السابق غفل الآن حقيقة أنه فاقد الثقة والمشروعية ، كما وإذا ما قدر له ونجح في حشد ما بقي له من قوة فإنه لن يفلح باستعادة اليمن كي يحكمه ثانية، وناهيك عن كونه رئيسا سابقا ليس مرغوبا به شعبيا هناك عامل أخر مضاف ومهم وهو أن معركة الحاضر ستؤخذ بعدا جهويا ومناطقيا وطائفيا، وهذه وحدها كفيلة بنسف احتشاد الاثنين صالح وعبد الملك، بل وبتفككه وهزيمته طال الوقت أم قصر.
نعم كان هنالك جيشا وسلاحا ومؤسسة وسلطة مازالت متوافرة لقادة الجنوب الخارجين عن طاعة المركز المقدس.. لكن ما جدوى طائرة مقاتلة، وما فائدة المدفع والصاروخ المتوسط المدى "سكود"؟ فالمهم هنا أن المجتمع في الجنوب لم يكن في ذاك الوقت بمثل هذه الحماسة والفاعلية والاستعداد للتضحية التي نراها اليوم في شبابه ورجاله وشيوخه ونسائه.
فالواقع أن المشكلة لا تتعلق بماهية السلاح أو المال وإنما بماهية الإنسان في، وهذا الإنسان لم يكن قد تم تهيئته وتجهيزه لخوض معركة عسكرية أو سياسية أو دبلوماسية، ففي الأغلب آثر البقاء بعيدا عن معمعة الموت والدم.
موقف بكل تأكيد باعثه ليس الخوف أو فقدان الشجاعة، وإنما مرده تجربة مؤلمة ومريرة مازالت ماثلة في ذاكرة كثير من الجنوبيين الذين لم يتعافوا بعد من تبعات أخر تناحر أهلي ممزق لنياط الأفئدة ولنسيج وحدته الوطنية.
الرئيس المخلوع لطالما غفل حقيقة أنه ليس من هزم البيض ورفاقه، فمن هزم هؤلاء وأجبرهم على الهرب إلى سلطنة عُمان وجيبوتي؟ هو خذلان وتقاعس وانقسام الجنوبيين أنفسهم، فمثلما خذلتهم قيادتهم السياسية والعسكرية وفي أول معركة اقتصادية وحياتية ومعيشية ووظيفية قدر لهم خوضها وتجرع مرارتها بعد التوحد، كان خذلانهم قاصما ومؤثرا على ساستهم وقادتهم، بل وعلى ذاتهم في مرحلة تالية .
في تلك الحرب كان الرئيس هادي قائدا لمحور البيضاء وذلك قبل أن يترقى لوزارة الدفاع وفي وقت مازالت فيه المعارك محتدمة وفي كل الجبهات القتالية، وفضلا عن الوزير وقواته المحاربة وقتها في جبهة الشرعية والوحدة كان الشمال في معظمه ذخيرة ووقودا لهذه المعركة العسكرية، هذا إذا ما قلنا إن فصائل جهادية متطرفة أيضا شاركت في معركة تحرير محافظات الجنوب من رجس الشيوعية والإلحاد والعلمانية وسواها من الشعارات المرفوعة حينها.
الرئيس هادي هو اليوم من يحمل صفة الرئاسة الشرعية، فيما الرئيس صالح ليست له أي صفة أو مشروعية ولو كتلك التي كان يتمتع بها خصمه علي البيض إبان ما سمي بحرب الوحدة.
الرئيس هادي هو من يتوجب عليه مهمة تحرير العاصمة صنعاء وإعادتها إلى سياقها الوطني الاعتيادي ولو اقتضى من الرئاسة الحالية فعل كل ما يلزم سياسيا وعسكريا وشعبيا.
لا اعلم كيف انقلبت المعادلة؟ فوسائل الإعلام نجدها مكرسة جهدها ووقتها في مسألة اجتياح الجنوب عسكريا، وبملاحقة الرئيس الشرعي إلى مكان إقامته في عدن، كل هذا يحدث ومن جهة خارجة عن النظام والشرعية وضدا على إرادة اليمنيين.
ألم يكن الأسلم والاهم هو أن يكون الحديث منصبا في ماهية السبل الكفيلة لملاحقة ومحاصرة الرئيس الأسبق وأعوانه الانقلابين في العاصمة صنعاء؟ أليس الأولى استعادة عاصمة البلاد الواقعة تحت هيمنة القوى المنقلبة على ما توافق عليه اليمنيين؟.
محمد علي محسن
معادلة مختلة!! 1720