لا يدرك جميع الناس ما يدور حولهم بنفس الدرجة, وبذات المستوى, فمدركات الناس تتفاوت بتفاوت معارفهم وميولهم وقدراتهم العقلية, ومدى تمكنهم من تفعيل كافة عمليات تفكيرهم العليا, كما أنه كلما كان الإنسان أكثر احتكاكا ببيئته كلما كانت مدركاته أقرب للواقع, ففي الأصل لا يمكن فصل الإحساس بما حولنا عن الإدراك عدا في حالات محدودة هي ما يسمى بالإدراك الفوق حسي!

وتنبع أهمية تصحيح المدركات لدى الإنسان؛ لأنها تعد من أهم العمليات العقلية العليا, التي تنتج مع بقية عمليات التفكير سلوك الإنسان, وتحدد نوعية ردود فعله تجاه كافة مواقف الحياة!

فبالإدراك يتم التفاعل مع البيئة والأحداث؛ ولكن البعض يقوم بعملية إرادية أو غير إرادية لتطويع مدركاته؛ لكي تبرر دوافعه, وتخدم توجهات معينة لديه, وتوصله لغايات بعينها, دون أن يشعر بوخز من ضميره, أو بأنه مستبد, وماض في طريق الضلالة!

عندما يقول أحد المقربين من "عبد الملك الحوثي" بأن عبد الملك يعجب من تسمية الناس لما يفعله انقلابا ويضحك من ذلك؛ فمعنى هذا أن الرجل يعاني من قصور في إدراك البيئة المحيطة به؛ ربما يكون سببه التقوقع الفكري والمذهبي الذي صنع به, أو تغليبه لصوت الدوافع والرغبات على صوت العقل, أو ربما يكون السبب هو عدم اهتمامه بالبيئة الخارجية من حوله, واعتماده- في تلقي مدركاته- على بيئته الداخلية, وإدراكاته الفوق حسية, القائمة على الحدس وأماني النفس!!

من هنا لا يجب أن نستغرب من تشبث الرجل بآرائه, وعدم استجابته لنصح الناصحين, ممن يراهم أقل فهماً منه كونهم لا يرون مدركاته التي يقدسها., ولا نعجب عندما يصمم آذانه عن سماع هتافات الجماهير التي تطالبه بالتعقل والرجوع عن ضلاله!

طامة كبرى أن يحصل هذا وأمثاله على أتباع يسيرون خلفه مغمضي العيون, وعلى قوة فتك تحت تصرفه!

من سيمكنه تحريك أدواة إدراكه وإكسابها السعة والمرونة, والقدرة على رؤية المشهد بكافة أبعاده., ومن سيمكنه تزويده بنظام تفكير أكثر دقة ورقيا؟!

وحدها التجربة هي من قد تعيد له صوابه, ويبدو أنه من البشر الذين يحبون أن يتعلموا "من جيبهم"!

لكن الكارثة الموجعة هي أنه لن يدفع الثمن بمفرده, ولن يكون الدرس قاسيا فقط عليه؛ فالضحايا الذين سيغرقون في الدماء فداء لتفكيره المحدود المدركات؛ سيكونون أتباعه المخدوعين, وجنود الوطن المساكين, وشباب اليمن المؤدلجين, وكافة المواطنين المبتلين بتسيّد هذا وأمثاله..!