إن كنا نظن أن الوطن سيتعافى هكذا صدفة وبقدرة خفية دونما النظر لمعطيات الوضع الراهن وتداعياته الخطيرة، والتي إن استمرت هكذا في التنامي دون أن توجد الحلول العقلانية لعقلاء اليمن وحكماءها، فإننا سنشهد واقعا يجرنا إلى مزيد من الموت المؤطر بالكرامات المهانة والسقوط في وحل الفوضى والاغتيال لأي مشروع يدخلنا في مصاف الدول الإنسانية بعيدا عن مبادئ الهمجية والبطش الخالية من أي ولاء لمصلحة اليمن.. ولبسطاء اليمن.
إن كنا نظن أن من يأتي من كهوف الماضي بإمكانه أن ينطلق بنا لفضاء المدنية وللمساواة والحرية بعيدا عن ديكتاتورية السلاح وقمع الحياة وتكميم الرؤى، فنحن واهمون ونغدو كمن يجمع رماد الرمل في هيجاء يوم عاصف.
لا شك أن الدستور اليمني - وبتوافق كل اليمنيين- جامع لكل معطيات الدولة ومنهجيتها في البناء والتداول السلمي للسلطة والتوافق بين جميع المكونات السياسية دون تعدي طرف على طرف آخر إنما حين تعدت جماعة الحوثي كل الأطر الشرعية وقفزت قفزا صارخا على كل العهود والمواثيق الإنسانية أولا ومن ثم السياسية ثانيا والأخلاقية ثالثا والمصيرية رابعا، فهذا يعني أننا رجعنا لحكم الرجعية من جديد بعد أن ظللنا خمسة عقود نحاول الانعتاق منها، وننحت في جلمود حاضر صلد وراح ضحية ذلك مئات الآﻻف من اليمنيين بحثا عن قشة في وحل الواقع السياسي اليباب إنما كانت النتيجة رجوعنا لقرون الفكر الرجعي ولحوار البنادق.
هذا العبث الذي يعيشه وطننا والفوضى الكبيرة واختلال موازين الدولة وضياعها أمام سيطرة قوى الهمجية التي تديرها جماعة الحوثي يفرغ البلاد من أي مشروعية ثورية دعينا إليها من أربع سنوات عجاف، وان ادعى الحوثي تصحيحه لمسار الثورة فهو يضحك على دقون 25 مليون يمني ، والشاهد على ذلك تعامله مع بلاده وكأنه محتل وطغى بالقوة على كل مقومات الشرعية والدستورية.
حتى وان كان في الأمر لعبة سياسية قذرة فاقت كل التحليلات والتخيلات ،فذلك لا يعطيه الحق إطلاقا التحكم بمصير شعب بأكمله خرج من اجل ان يعيش كريما بينما كرامته سحلت تحت كهنوت الرجعية وبغي البنادق والموت الذي أضحى ينتظره على كل رصيف من أرصفة بلاده.
فتناقض اﻷقوال والأفعال ليس من شأنه إلا أن يجعلنا ندور في دائرة صراع دموية فرضها الحوثي بهمجية افعاله وخروجه عن كل اتفاقيات الوطنية والدولية ومنها اتفاق السلم الذي نادى به بينما هو أول من اخترقه بالقوة واستخدام لغة الكهوف على لغة العقل والحكمة التي عرف بها كل اليمنيين منذ الأزل. خلاصة القول وخلاصة الكلام ،لا يمكننا ومن خلال واقع يموج في الهرج والمرج السياسي المرعب إلا أن نفصح عما يعانيه كل اليمنيين من انتكاسه روحية ونكبة مؤلمة صارت تدمي أرواحهم وذلك ليقينهم أن قوم عاشوا على مبادئ العنف والحرب وتمنطق السلاح واعتاشوا من الاحتراب والتقطع والنهب ،قوم عاشوا في الكهوف وأغلقوا تلافيف عقولهم عن الفكر والحياة لعقود مضت وبلعبة سياسية دنيئة صعدوا إلى القصور، قوم كهؤلاء يستحيل عليهم أن يبنوا وطن أو يؤسسوا للعدل والحق والمساواة وينشئوا دولة مؤسسات حقيقية..
ولأجل كل ذلك ولأجل أن يظل اليمن شامخا أبيا كما هو لابد للشعب أن يقول كلمته طالما فشل السياسيون أن يستعيدوا الوطن من قوم الكهوف هؤلاء وحينها وفي هذه الحالة فقط سيرتدون إلى جحورهم صاغرين وما دون ذلك سيظل اليمن رهن البطش ومستنقعات الدماء ووحل المقاصل والمشانق وبغي قوم صعدوا من الكهوف إلى العروش زورا وبهتانا مبين.
سمية الفقيه
من الكهوف إلى العروش 1352