لم تعد أفئدة الناس تهوي إليها.. صارت صنعاء محطة مغادرة لا مرکز استقبال كما عهدناها، جعلت منها المليشيا مدينة مؤصدة الأبواب.. الكل يفر من سلطة البطش والفوضی ولم ندرك بعد أن الوطن صار مقتولاً..
تری هل ستظل عدن مدينة الأمان.. کنت وعدد من زملائي في"أخبار اليوم" أول المهاجرين إليها بعد اجتياح المليشيا لمقر الصحيفة التي- بالطبع- ليست أول الضحايا ولن تكون آخر ضحية طالما جعبة القبيلي مليئة بالبارود، والبندقية الحمقاء محشوة بالرصاص والموت قادم بمعية المغول الجدد.. انتقلنا لمدينة الآمان عدن مع إدراكنا ألا مدينة بمنأی عن تسونامي الفوضی ما لم نجد حيلة لإيقاف هذا العبث المجنون.. لكنا على يقين بأن العابثين لا يحتاجون إلى جهد مضني لإسقاطهم فهم يحفرون قبورهم بأيديهم.. إنهم يسيرون في طريق الهلاك معصوبي العيون ويحسبون أنفسهم علی الطريق المستقيم..
هذه صنعاء- أعظم عاصمة تاريخية لليمن- لم نكن نعلم أنها مختطفة إلا بعد ساعات من اجتياحها؛ حين عادوا عشاء يحتفلون وجاءت المليشيات على علمها بشعار دم وموت تطلب منا تحرير مرسوم استلامها, في المدينة المستباحة..
هناك حيث لا أمان في صنعاء, كل شيء مختطف، إلا الحنين.. الحنين لوطن صار برشامة منهكة في جيب بنطال تلميذ غبي يخرجها للنور فقط ليحدق فيها بنهم قبل لحظات من إقدامه على مضغها كعلكة وإلقائها ببرود في سلة المهملات. هذه بلادي اليمن؛ الحضارة الضاربة في التاريخ، تبدو أكثر بدائية وأفظع تخلفاً..
هنا حيث كبرائنا لا يجيدون سوى الاغتيالات، وخطط القتل والدمار وتحويل كل عامر ركاما وكل واحة رمادا، إنهم يفشلون في إنجاب أي شيء جميل.. تراهم عاجزين عن تنفيذ خطة تنموية واحدة أوصى بها الغرب المواسي وطناً منهكاً بعصابات يمنية.. فهم يجيدون إشعال الحرائق باقتدار وعملية "سفك الدماء" هي مشروعهم لاستمرار اختطاف بلد وصف ذات يوم بالسعيد.
البلاد تسير إلى فوضى والداعيون للوفاق يروجون ماء في القدر ليس إلا.. المليشيا سطت على كل شيء ومن يملك البندقية هو صاحب القرار ولو كان فاقدا للعقل..
لا أعرف ما إذا كنت مخطئاً حين قلت بلحظة غضب: "تفصلنا عن الدولة المدنية الحديثة بندقية وبضعة رصاصات".. لكني على يقين بأن بلد الحضارة صار في القرن الواحد والعشرين عشا مفخخا بالمليشيا" فإن تشكل عصابة أفضل جدوى من إنشاء حزب سياسي أو منظمة مدنية..
صنعاء- بفعل الخذلان- كزجاجة نبيذ ملقاة بعشوائية على أرصفة الخذلان والوطن كومة تيه تتمدد بغجرية.. تنتظر مشروع ثورة في زمن يعج بلصوص ثورات محترفين..
ماذا أقول يا صنعاء سوى أن الكل يتصادمون بكؤوس نخبك أيتها المدينة المترامية الحقائق والأساطير وينثرون دمك على الأرصفة ويستعذبون الطواف حولك وأنت المغدورة تحت غطاء السرير!!.. لكنك حتما ستظلين مدهشة كالغابة رهيبة بهيبة الرعد, شامخة كأنف الكبرياء تتربعين بثقة العظماء كقبة سليمان النبي، حين يسبح التاريخ بأمجادك..
هاأنذا أعلن كفري الصريح بالوسطية وأسوأ الأمور عندي أوسطها.. فالحلول الوسط لا تصنع منا رجال حكماء فإما الحب وإما الحرب.. لا وسطية والخصم كافر بالسلام..
عبدالحافظ هزاع الصمدي
صنعاء والفرار من البطش.. 1080