يلحظ المتتبع للواقع في اليمن أن حادثة خروج الرئيس هادي من إقامته الجبرية التي فرضها الحوثين عليه في صنعاء وذهابه الى عدن بأنها قد أعادت ترتيب الأوراق مجددا بل قامت بخلطها جميعا بعد أن كانت قد رتبت حسب نسق معين..
مغادرة هادي أو فراره, مهما كانت المسميات هنا وكيفما كانت السبل إلا أنه في واقع الأمر قد جاء خلافا للرغبة الحوثية وبعيدا عن أي ترتيبات مسبقة معهم كما يظن البعض
الرجل تماهى معهم مسبقا حين أدخلهم إلى صنعاء وبعد أن مكنهم من كل شيء بقصد أو دون قصد منه إلى أن وصلوا إلى مرحلة استنفذوا فيها كل ما كان يمكنهم التعلق بقشته لتغطية تمردهم وتماهيهم مع إذلال الدولة وسحق كيانها, وفي قاموس الجماعات المسلحة لا وجود لقناعة الرضى والاكتفاء بالواقع المحقق فهم يبحثون كل يوم عن فريسة جديدة وغنيمة أخرى يتلذذون بنهش جسدها,, وعندما صفت لهم كل الغنائم وحللت لهم كل الفرائس لم يتبقى أمام طمعهم وجشعهم سوى هادي وشرعيته المستباحة بالأصل عندها فتشوا في كل الأرجاء عن شيء يسكتون به جشعهم ليتفادوا الصدام مع هادي- أي الدولة برمزيتها الوحيدة المتبقية- لإدراكهم أن الصدام به في تلك المرحلة إنتحار مؤكد لكنهم لم يجدوا مبتغاهم فركبوا رؤوسهم وأطلقوا العنان للثعلب الذي يعتريها وأذلوا الرئيس
هادي وبكل أخطاءه السابقة وتخاذله الذليل إلا أنه وفي لحظة من اللحظات اتخذ موقفا صائبا ندر أن يتخذ مثيله حين قرر الإستقالة عندها هو لم ينجوا بنفسه فقط بل وضع الجماعة أمام خطيئة جشعها وبين كماشة محكمة الإغلاق جعلتهم أمام واقع مكروه لمثل هكذا جماعات إعتادت على الإفتئات والأكل بإسم الدولة, هو بخطوته تلك أزاح ايضا عنهم الغطاء الذي تستروا به وأكلوا من فمه محافظات ومدن بأكملها
الخطوة الأخرى والأكثر فاعلية وهي بالواقع من قلبت الطاولة تمثلت في ذهابه إلى عدن وإعلانه عن سحب الإستقالة هو بخطوته هذه يسحب قناعا آخر عن وجه الجماعة القبيح يجعلها جماعة متمردة على الدولة محتلة لعاصمتها ومتمردة على الدستور والمواثيق ومطلوبة للعدالة
يقول أحدهم هنا أن الرجل لم يفر إلا بتنسيق مسبق مع جحافل الجماعة ووكلائها الإقليمين للعب أدوار جديدة تمكنهم من الجنوب لكن بيان الرئيس كان واضحا ينم عن حالة جديدة أنشأتها الجماعة نفسها حين أذلت هادي ومسحت بكرامته الأرض أضف إلى هذا أن الدعم الخليجي الكبير له في عدن يعطي مؤشرات كبيرة عن بدء مرحلة جديدة الفصول والمعالم بالإضافة إلى أن إعتماد السفراء ومزاولة أعمالهم في عدن يؤكد على أن قرار عزل الجماعة لارجعة فيه، إعتماد السفراء خطوة هامة هنا تدلل على وجود رغبة قوية لمغادرة الماضي القريب والذهاب بعيدا في إعادة بناء الدولة ولو بشكل جديد ومن خلال عاصمة قديمة جديدة
كل ذلك يؤشر على أن اليمن مقبلة على سيناريوهات مغايرة لتلك التي كانت قد رسمت أو توقع المحللون الوصول إليها لكن المؤكد هنا أننا امام بناء دولة جديد تتمركز قواه في عدن وفي المناطق المناهضة لإنقلاب الحوثي ما يعني بالضرورة عزل الجماعة محليا ودوليا وهو ماسيجرنا إلى مواجهة حتمية قد تطول فصولها وقد تهفو بلمح البصر إن لم يصل المتصارعون إلى صيغة جديدة تجنب البلد الإنزلاق نحو واقع مجهول لكنه بالتأكيد واقع كارثي وتراجيديا سياسية كبيرة..!
محمد أحمد عثمان
الى أين نذهب..! 871