قلة من الناس من يمكنه القيام بعملية تصفية لصور قديمة, منحوتة في ذهنه عن الأخر الذي عاش سنوات من العمر يراه في إطار مشوه, ومرسوم في مخيلته بقبح مرعب!
قلة من الناس من يمضي الكثير من الوقت في البحث عن حقائق الأشياء, وكشف ما وراء الظاهر المخادع في أحيان كثيرة!
قلة من الناس من يمتلك الشجاعة الكافية لإحلال الحقائق إذا انكشفت له, بدلا من التشويه الذي غلف ذهنه وسيطر على تفكيره لزمن..!
وكثير من الناس من يهوى تصميم قوالب عديدة في ذهنه, يحشر فيها الفئات التي صنف البشر وفقها؛ لكي يريح نفسه من عناء التحقق من هذه المعلومات, التي بنى عليها أحكامه, واشتق منها صوره الذهنية عن الآخر المجهول بالنسبة له في الغالب!
يعيش بشر كثيرون على هذه الأرض, وهم يمارسون عملية إصدار الأحكام على الآخرين ببداءة,وبداهة, ودونما امتلاك حيثيات, أو أدلة, أو سابق معرفة واختبار..!
يطلقون على الناس صفات, ويلصقون بهم المسميات, ويسمونهم بسمات ربما ليس لها وجود سوى في ذواتهم, وفي متاهات خيالاتهم, وأدمغتهم المحشوة بخليط من الأوهام, والمقدمات الغير منطقية, والغير واقعية, والغير قابلة للفحص والقياس!
وعندما تتكشف لهم حقائق جديدة حول الهدف, الذي سبق أن رسموا له صورة نمطية في أذهانهم؛ يصبحون غارقين في حالة من الصراع الداخلي من أجل الاحتفاظ بالصورة التي في أذهانهم حول الهدف, أو الشيء المنمط مسبقا لديهم؛ بل قد يخوضون معارك شرسة, من أجل إثبات أنهم محقون في أحكامهم المسبقة, المبنية على معلومات موروثة وغير دقيقة, وعلى تعصب في أوقات كثيرة !
لماذا يفعل الناس ذلك؟!
لماذا يغالطون أنفسهم؟!
لماذا يعيشون في عوالم شاسعة من الخداع والتزييف؟!
هل هو لون من الجنون؟!
بالتأكيد ليس كذلك, ولكنها إحدى حيل النفس, من أجل الحفاظ على سحر المألوف, والتراث الشخصي, الذي تراكم لدى الإنسان عبر السنوات, وهذا ما يؤكده علماء النفس, وأضافوا: إن الناس يحطمون الكثير من الواقع من أجل أن يحتفظوا بصورهم الذهنية التي اكتسبوها عبر السنين وعن طريق مجتمعهم وآبائهم؛ وليكونوا منسجمين مع ذواتهم المتعصبة!!
وفي ديننا, عد النبي " صلى الله عليه وسلم " التعصب سمة من سمات الجاهلية؛ لأن الدين الإسلامي لم يأت ليحرر العباد من قيد الشرك بالله تعالى فحسب, بل هو دعوة للإنسانية لتفعيل منطقة التفكير العليا في الدماغ, والعمل على تحرر الذات العليا من جذب الذات السفلى, ولتخليص النفس من نقصها وترديها في درك التعصب, والحيلولة دون تقييد العقل بتراث الآباء, وانحساره وتراخيه عن مهمة التفكر والتدبر, والتفكير المنطقي وبأساليب تتسم بالمرونة, والمقارنة ونقد المعلومة قبل تثبيتها؛ ولتمكينه من إحداث حراك مستمر في منظومته الفكرية؛ ليبقى دوما باحثا عن الحقيقة, متطلعا لبلوغ منزلة الحكمة, والفوز بفضيلة العدل في تناول كل ما يمس صورة الأخر أياً كان, لأن أبسط حق لكل إنسان, على كل الناس أن يروه كما هو في واقع الأمر, وليس كما يظنون ويعتقدونه هم!
نبيلة الوليدي
التفكير المنمط..!! 1323