اليمن كظاهرة خاصة بالتقاتل والحروب الأهلية، قام بثورة سلمية أطاحت بالرئيس صالح غير أنه بعد حروبه مع الحوثيين تحالف معهم، ليس حباً فيهم، وإنما انتقام ممن قاموا عليه، ولأن الولاءات تنتقل حسب الظروف، فإن من يتحالفون اليوم، يعلنون الخصومات غداً، غير أن الحوثي وحزبه والمتحالفين معه ألغوا مشروع الدولة الوطنية بحكم طائفي صاغ دستوراً يتطابق مع منطلقاته، وتحدى القوى الأخرى بما يشبه إلغاء أدوارهم وثقلهم القبلي والاجتماعي وحتى المذهبي، ورفض أي حوار معهم، وفي مثل هذه الظروف الدقيقة والحساسة لبلد مدجج شعبه بالسلاح، ويسوده الفقر بكل تداعياته، فإن عملية عزل فئات نافذة من دورها يعطي شرعية خاصة بفرضيات القوة للحوثيين، والاعتماد على قوة الجيش والأمن وبعض القبائل، كل هذا لا يعني الاستطاعة بحكم بلد تتنازعه الخلافات، وقابلية انفجاره موجودة وبكثافة..
عملية أن يغري الحوثيون العالم بمكافحة القاعدة، قد تكون الفكرة مقنعة لمشروعهم لكن يصعب تصديقها، لأن إيران المتداخلة مع الحوثيين متعاونة مع القاعدة منذ سنوات في أفغانستان، وتؤوي قياداتهم، وتساعدهم حتى في منحهم مكافآت وجوازات، ونفس الأمر مع الداخل اليمني الذي لن يصدق هذه الكذبة، بل إن من المخاطر المنتظرة أن تنشأ داعش جديدة تلتف حولها سنّة اليمن وهم الأغلبية، وتصبح الأوضاع شبيهة بحالة العراق عندما اضطهد السنّة والبعثيين وقيادات جيش صدام، ليعطوا لهذا التنظيم دوراً غيّر خرائط العراق وسورية، والترشيحات تضع اليمن على نفس الخط والسيناريوهات..
نحن في عالم معقد تتسارع وتنمو فيه الصراعات من حدود باكستان إلى تخوم نيجيريا بانتشار الإرهاب، وحتى الآن لا يُعرف من تورط بالآخر، هل هو مَن صنع الشبح، أم من يحاول مطاردته؟
والحوثيون، حتى لو أرادوا إقامة دولة بمواصفات خمينية، فالوضع الاقتصادي والسياسي وحتى البيئة الاجتماعية مختلفة بين البلدين، ولا نظن أن أزمة انفصال الجنوب يمكن احتواؤها بالوعود والحوارات، أو حتى ما يشبه الحكم الذاتي، فالحوثيون أنفسهم أعطوا مبدأ الانفصال شرعيته بإلغاء الدستور، وعزل كل الفئات، وبإانقلاب معلن..
دول الخليج العربي تراجع وتدقق بالأحداث، وقد طرحت مشروعها بخلق كيان تلتقي عليه كل تنوعات المجتمع اليمني، لكن مفاجآت الحوثيين عطلت المشروع بإزاحة السلطة وتركت فراغاً ملأته مؤقتاً، ونتائجه لا أحد يعلم كيف تسير، ونحن نعرف أن خزينة الدولة لا تقدر على دفع الرواتب فما بالك بالتزامات أخرى؟
حاضر اليمن أسوأ من ماضيه، ولا يبدو أن الصورة تتحسن بانتهاج سلوك آخر يؤكد على وحدته، وهي أزمة ستولد أزمات إلا إذا سادت الحكمة لتكون يمانية..