فجّرت جماعة (الحوثيين) مساء الجمعة، مفاجأة كبيرة بإعلانها ما أطلقت عليه بـ"الإعلان الدستوري"، والذي تضمّن حل مجلس النواب الحالي، واستبداله بمجلس وطني من 551 عضواً، تختاره لجنتها الثورية.
وجرت مراسم ما أُطلق عليه بـ "الإعلان الدستوري" في القصر الجمهوري وسط العاصمة صنعاء بحضور طاغ لـ الجماعة وممثليها وأتباعها عدا النزر اليسير ممن ليسوا محسوبين عليها ويمكن تصنفيهم على جناح الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، كان من أبرزهم وزير الدفاع المستقيل محمود الصبيحي، ووزير الداخلية المستقيل جلال الرويشان.
وقد اشتمل إعلان "الحوثيين" على 16 مادة، نصت على استمرار العمل بأحكام الدستور النافذ، ما لم تتعارض صراحة أو ضمناً مع هذا الإعلان. تنظّم مواد هذا الإعلان قواعد الحكم ضمن المرحلة الانتقالية، ونصت المادة الثالثة على أن الحقوق والحريات العامة مكفولة وتلتزم الدولة بحمايتها، والمادة الرابعة نصت على أن تقوم السياسية الخارجية للدولة على أساس حسن الجوار، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدولة، واعتماد الوسائل السلمية لحل النزاعات، بما يحفظ استقلال الوطن وسيادته.
ونصت المادتان الخامسة والسادسة على أن اللجنة الثورية العليا هي المعبرة عن الثورة، وتتفرّع عنها اللجان الثورية في المحافظات والمديريات، ويشكل بقرار من اللجنة الثورية مجلس وطني انتقالي عدد أعضائه 551 عضواً، يحل محل مجلس النواب المنحل، ويشمل المكونات غير المكوّنة فيه، ويحق للجنة الثورية ضم من تريد.
بينما نصت المادتان الثامنة والتاسعة على أن تحدد اللائحة التي فيها حقوق عمله وواجبات أعضاء المجلس الوطني البديل للبرلمان، وأن يتولى رئاسة الجمهورية مجلس رئاسة مكون من خمسة أعضاء، ينتخبه المجلس الوطني، وتصادق على انتخاباتهم اللجنة الثورية، وتحدد اللائحة الداخلية للمجلس نظام عمله وحقوق وواجبات أعضائه.
وتضمّن إعلان "الحوثيين" في مادته العاشرة تكليف مجلس الرئاسة من أعضاء المجلس بتشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية، ونصت المادة 11 على أن تختصّ اللجنة الثورية باتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الضرورية لحفاظ سيادة الوطن وحماية أمانه واستقلاله، وضمانة حقوق وحريات المواطنين. تليها مادة تنص على أن تحدد اختصاصات المجلس الوطني والرئاسة والحكومة بقرار مكمل تصدره اللجنة الثورية.
كما تلتزم السلطات الدولة خلال مدة عامين بإنجاز استحقاقات المرحلة لمرجعيات مؤتمر الحوار واتفاق السلم والشراكة، ومنها مراجعة مسودة الدستور وسن القوانين والاستفتاء على الدستور، وتستمر التشريعات العادية النافذة ما لم تتعارض من نصوص الإعلان، بينما نصت المادة الأخيرة من الإعلان على أنه يعد نافذاً من تاريخ صدوره.
وفي النظر إلى ما حملته الخطوة التي أقدمت عليها جماعة الحوثي (أنصار الله) فيما يسمى بـ " الإعلان الدستوري" نجد من حيث الواقع والتحقيق أن هذا التوجه من قبل الجماعة يهدف إلى فرض شرعية الأمر الواقع ويحمل دلالات وأهداف وأبعاد عديدة، غير أن هذه الخطوة لم تكن لتحدث لولا الوضع القائم الذي صارت إليه الحالة اليمنية من احتقان واصطراع سياسي مفتوح بين مجمل القوى والأحزاب وفي مقدمتها طرفي الصراع الفعلي على الأرض الرئيس السابق صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح الإسلامي وحلفائه الذي تسنم صهوة الثورة الشعبية عليه وخلعه في فبراير 2011م.
وقد شكل إعلان ما وسم بـ "الإعلان الدستوري " الذي أعلنت عنه جماعة الحوثي في اليمن، نقطة فارقة في تاريخها السياسي، وعلاقتها مع القوى السياسية الأخرى، وذلك لما سيترتب عليه هذا الإعلان من تطورات ميدانية وردود فعل شعبية غاضبة من المحتمل أن تجر البلاد إلى حرب أهلية شاملة، من المؤكد أن نتيجتها لن تكون في صالح جماعة " أنصار الله " الحوثيون وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام .
في الجملة يبدو" الإعلان الدستوري" بياناً انقلابياً بامتياز، ويمكن وصفه بأنه الخطوة الأخيرة ضمن الخطوات الانقلابية لجماعة " أنصار الله "الحوثيين، وعلى الرغم من أن بيان الانقلاب وصف بأنه "إعلان دستوري"، إلا أن ذلك لا ينفي عنه صفة "البيان الانقلابي"، وعلى هذا الأساس - أي صفة "البيان الانقلابي" سيتم رفضه وعدم التعامل معه قطعاً – وهو ما حدث بالفعل - من قبل مختلف القوى السياسية اليمنية والمكونات الاجتماعية الرافضة لهيمنة جماعة " أنصار الله "الحوثيين في اليمن .
ويمكن فهم هذا الأمر باستحضار أحداث الأيام الأخيرة باستهداف الجماعة لمؤسسات الدولة السيادية المتمثلة بالرئاسة والقصر الجمهوري وغيره، عوضاً عن محاصرة الحوثيين لمنزل الرئيس هادي وأعضاء حكومة بحاح لكونها لم تأتي النتائج وفق حساباتها وأن تصل الأوضاع إلى ما وصلت إليه، ولم تكن تتوقع أن يقدم الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة بحاح على الاستقالة، إذ كان الهدف من تلك الخطوات يتمثل في الضغط على الرئيس هادي من أجل أن ترسيخ نفوذ الجماعة في الدولة بقرارات رئاسية من الصعب اجتثاثه في أي وقت لاحق، كما كان من أهدافها تعيين نائب للرئيس من بين صفوفها، والذي سيتولى الرئاسة بحسب الدستور بعد أن يتم التخلص من عبدربه منصور هادي سواء عن طريق الاغتيال أو إجباره على الاستقالة.
وكانت استقالة الرئيس هادي بمثابة صدمة عنيفة للحوثيين، جعلتها تذهب إلى أحزاب اللقاء المشترك للبحث عن حل للمأزق الذي أوقعت نفسها فيه، خصوصاً بعد أن تصاعدت حدة الغضب الشعبي ضد الجماعة، واتضح أن فتح الحوار مع أحزاب اللقاء المشترك وغيرها لم يكن من أجل الوصول إلى حل، ولكن من أجل استهلاك الوقت وإلهاء الشعب بحوارات عبثية من أجل الاستعداد والتمهيد للخطوة التالية، وهي استكمال عملية الانقلاب.
ورغم أن البيان الانقلابي، الذي أطلق عليه "الإعلان الدستوري"، تضمن مصطلحات فضفاضة تتحدث عن ضمانة الحقوق والحريات وتحسين المستوى المعيشي، وغير ذلك، إلا أن بنوده التي من المفترض أن تكون قطعية تم استثناءها بهذه الجملة "ما لم يتعارض ذلك مع هذا الإعلان"، وهو ما يعني أن الجماعة تنوي القيام بخطوات خطيرة سيتم تبريرها بأنها تتعارض مع "الإعلان الدستوري".
كما لوحظ أن البيان حشر ما يطلق عليها "اللجان الثورية" في معظم مقررات بنوده، وهو ما يعني أن الحاكم الفعلي ستكون "اللجان الثورية" التي يرأسها شقيق عبدالملك الحوثي، المدعو محمد الحوثي، وسيكون أعضاء مجلس الرئاسة والمجلس الوطني تحت رحمة لجان الحوثيين التي يطقون عليها لجاناً ثورية، ومن المحتمل أن يتم تطعيم المجلس الرئاسي والمجلس الوطني بشخصيات من الجنوب ومحافظات شمالية أخرى من المؤيدين للحوثيين بهدف إظهار الجماعة بأنها ليست مناطقية.
وبطريقة غبية، حاول الإنقلابيون الحوثيون وحلفائهم عبثاً مغازلة الجنوبيين من خلال الحديث عن القضية الجنوبية بأسلوب استعلائي، وإجبار وزير الدفاع المستقيل محمود الصبيحي على الحضور، رغم أنه كان تحت الإقامة الجبرية، واستضافة جنوبي مغمور يدعى "حسن زيد بن يحيى" على الحضور والحديث باسم الجنوب، علماً أنه محسوب على من يطلق عليهم "الهاشميون"، أي السلالة التي يدعي الحوثيون الانتماء إليها.
كما أن بعض البنود التي وردت في الإعلان تكشف بجلاء مشاركة الرئيس السابق علي صالح وحزبه في صياغتها وبنائها ، تلك المتعلقة بحل البرلمان، ذلك أن البرلمان يمثل المؤسسة الشرعية الوحيدة المتبقية بعد أن قدم الرئيس هادي وحكومة بحاح استقالتهم، تحت ضغط انقلاب الحوثيين وحلفائهم على العملية الانتقالية، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال استبدال البرلمان بمجلس وطني انتقالي، ويحق لأعضاء البرلمان الراغبين في الانضمام إليه بعمل ذلك، والمعروف أن غالبية أعضاء البرلمان هم من حزب المؤتمر، والمؤكد أن هؤلاء جميعهم سينضمون للمجلس الوطني الذي سيشكله الحوثيون لقطع الطريق على أي اعتراض من قبل القوى الأخرى على هذه الخطوة، وفي نفس الوقت المشاركة في شرعنة الانقلاب.
وبالنسبة للتوصيف القانوني لما أعلنته جماعة " أنصار الله" الحوثيون، بحسب مختصين وقانونيين فلا يمكن وصفه بأنه دستوري لسببين اثنين هما :
- لم يستند لنص دستوري حيث وقد غابت في هذا الإعلان المرجعية الدستورية تماماً اذ لا يمكن وصفه بالإعلان الدستوري، إلا إذا استند إلى نص دستوري، وعلى أن يظل الدستور هو الأسمى والأعلى ولا يجوز أن يُعلى عليه أي نص آخر هذا من ناحية بخلاف ما قامت به وأقدمت عليه جماعة " أنصار الله" الحوثيون .
- غياب الجهة المخولة بإصدار مثل هذه الإعلانات، إذ أن الإعلانات الدستورية لا تصدر إلا من جهة لها صفة قانونية صحيحة ومعتبرة، وتمتلك شرعية ومشروعية دستورية.
- والنتيجة فما أُسمي بإعلان ( دستوري) باطل بطلاناً مطلقاً ،ولا يمكن التسليم به لعدم قيامه على أي مسوغ دستوري أو قانوني ويمكن الطعن عليه أمام القضاء المختص وطلب الحكم بإلغائه ومحاكمة الانقلابين وفقاً للدستور الحالي النافذ.
ويخلص التكييف القانوني لما صدر عن جماعة "أنصار الله" الحوثيين أن ما سمي بـ " الإعلان الدستوري" ليس سوى بيان فرض أمر بالقوة أو أمر واقع، ولا يجوز أن نطلق عليه أنه بيان دستوري .
عملياً ودستورياً لم توافق أي جهة حتی الآن علی استقالة
ولتسليط الضوء أكثر والإجابة عن ما الذي يعنيه إعلان جماعة " أنصار الله " الحوثيون في اليمن، فيما أطلق عليه ووسم بـ "الإعلان الدستوري" يمكن اختصاره في عبارة واحدة "نقل السلطة إلی يد "اللجنة الثورية" التي تمتثل في الاخير لأوامر عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة، فما جری هو تنصيب غير رسمي لـ
وعلى الرغم من دعوى إعلان حل البرلمان الا أنه فعلياً لم يحل وانما سيتم توسيعه، والحوثيون يتحدثون عن 250 عضو جديد سيتم تعيينهم من قبل اللجنة الثورية التي تستلم تعليماتها من قبل محمد الحوثي الذي يستلم الوحي مباشرة من "السيّد" ولذلك سوف يكون اليمنيون أمام أغلبية مطلقة لـ جماعة " أنصار الله " الحوثيون في المجلس التشريعي القادم!
وبرغم أن الاعلان لم يلغ الدستور كلية ورسمياً الإ أنه أسقط الدستور فعلياً عندما أعطی اللجنة الثورية حق تحديد مهام الرئاسة والحكومة والبرلمان، على الرغم من كونها موضحة في الدستور السابق!! ورغم استهلال الاعلان بمادة عن ضمان الحقوق والحريات الا ان النص علی حق اللجان الثورية في اتخاذ (الإجراءات المناسبة) يعطي لها سلطة انتهاك الحريات بغطاء قانوني فضفاض.
لذلك فاليمنيون أمام إعلان دستوري غامض يبطن غير ما يعلن، وأخطر ما يمثله هذا الإعلان أنه يؤسس في الواقع لسلطة خفية ستحكم من خلف الستار، حيث تصبح اللجنة الثورية مجرد ديكور بديلاً للرئاسة، واللجان الشعبية بديلاً للحكومة، والمجلس الوطني جهازاً حوثياً للتشريع والتقنين بأغلبية مطلقة، وهذا يعني في الأخير استغلال السنتين القادمتين لتدمير ما تبقى من مؤسسات الدولة الرسمية لصالح موضعة حكم الجماعة والميليشيا الخفي.
سلمان العمَّاري
ما الذي يعنيه الإعلان الدستوري من قبل جماعة الحوثي ؟! 1039