مات صاحب الجمل, وكلنا سنموت ولكن ليس لدينا من يحمل لنا وفاء الجمل , الذي رفض مغادرة المقبرة رابضاً بجوار قبر صاحبه، تارة يتشممه وتارة يدور حوله, وتارة يجلس بجواره، وأضرب عن الطعام حزناً وكمداً على صاحبه.. إنه جمل علي حسين النعنع -الذي ذاع صيته وبلغت قصته الآفاق.
ومن الطريف أن كل من سمع بالجمل وقصته تمنى أن يكون صاحبه..
قالت إحداهن: ليته زوجي.
وقال آخر: ليته صاحبي
وقال ثالث: ليته ابني.
وقال رابع: ليته رئيس الجمهورية.
ومنذ سمعت بخبر الجمل في مديرية السدة وأنا أحاول الكتابة عن قصة الوفاء الذي افتقدناه وعز في هذا الزمن ولم أستطع, لأن القصة أسعدتني وأحزنتني في وقت واحد..
أسعدتني لأنها قالت بلسان حالها إن الدنيا مازالت بخير وإن كان الخير في حيوان..
وأحزنتني لأنها ذكرتني بالغائب الذي افتقدناه في كل علاقاتنا الإنسانية, الغائب الذي رحل و لا ندري إلى أين؟!
عجزت عن الكتابة لكثرة ما فيها من دروس وعبر ولم أدر من أين أبدأ؟
تأملت في القصة فوجدت- في جلوس الجمل عند قبر صاحبه- موعظة بليغة لكل ذي لب , جلس الجمل عند قبر صاحبه ليذكرنا بحديث المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه" ((إذا مات ابن آدم تبعه ثلاث: أهله، وماله، وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله))..
عاد المال والبنون والأهل والأصحاب وبقي عمله الصالح متمثلاً في الجمل ليؤانس وحشته.
ومن الدروس المستفادة من قصة الجمل وصاحبه أن الجزاء من جنس العمل
وأن المعروف لا يضيع وفي كل كبد رطبة صدقة..
أحسن علي حسين النعنع- رحمة الله عليه- إلى حيوان فأحسن الله إليه بأن رفع ذكره ولفت الأنظار إلى أسرته الفقيرة المحتاجة وربما كان الجمل مثل بقرة غلام بني إسرائيل التي دُفع ثمنها ذهبا.
إن من عمل صالحاً لا رياءً و لا سمعة أظهر الله فعله الحسن للناس..
قال صلى الله عليه وسلم "ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله ردائها إن خيراً فخير وإن شراً فشر"..
أحلام القبيلي
دروس وعبر من قصة الجمل 1795