وقفت مجموعة من النساء المصريات رافعات صور شهداء وشهيدات رصاص نظام الانقلاب، فتم استدعاء فرقة من مليشيا المواطنين الشرفاء، لمنازلة النسوة الثائرات، وهتفوا ضدهن "السيسي عمهم وحارق دمهم".
إذن، نحن أمام إقرار صريح وعلني من "شرفاء السيسي" بأنه قاتل سندس ومينا وشيماء وقائمة طويلة من شهداء سلطة تتغذى على الدماء.
كان المشهد مشحوناً بعديد من الدلالات والرسائل، من تلك البقعة الصغيرة التي شهدت سقوط شيماء الصباغ مضرجة في دمائها في شارع طلعت حرب، وسط القاهرة. أولى هذه الرسائل أن المرأة المصرية أكثر تجسيداً للقيم الإنسانية العظيمة لثورة يناير، فلم تفرق السيدات والفتيات اللاتي وقفن، أمس، في مواجهة نظام قاتل بين دماء الشهداء. صحيح أن الدعوة التي أطلقتها حركة "عسكر كاذبون" حددت مكان استشهاد شيماء الصباغ للوقفة، إلا أن سندس شهيدة الإسكندرية كانت حاضرة، وكذلك لم يغب مينا شهيد المطرية، عن اللافتات والهتافات المرفوعة.
إن نساء الثورة أكثر إنسانية وأغنى تحضراً، وأنزه ضميراً، من بعض الرجال الذين ترك بعضهم براح الثورة على حكم العسكر، واستوطن مطابخ حملات السيسي الانتخابية، وعاد إلى الفناء الخلفي للنظام، يقص الحشائش، أو يلهو، أو يستجم.
نساء الوقفة لم يكن مثل حسام عيسى الذي تحشرجت حنجرته بالكلمات، وهو يملأ ميكرفون الخطابة بأنين عنصري شوفيني عن مقتل شيماء، مدّعيّاً الأرق والألم، ومكتشفاً، بشكل مفاجئ، بطلان قانون التظاهر مع موتها برصاص فض تظاهرة شاركت فيها.
عشرات من "الشيماء" قتلهن رصاص الأمن في تظاهرات، ولم يألم حسام عيسى أو يؤرق، أو يُصب بالهم والغم.. كم طالباً وطالبة حصدهم قانون التظاهر الذي كان حسام عيسى موافقاً عليه، ومؤيداً له، وقت أن كان وزيراً للتعليم العالي نائباً لرئيس حكومة دموية، وقبل أن تموت شيماء؟
لماذا لم يطلب عيسى، يومئذٍ، الغوث والمساعدة، لكي يتجاوز أزمة الضمير التي يعيشها منذ قتلت شيماء، كما أعلن ذلك في ندوة جماهيرية؟
تذكرت نساء الوقفة "سندس" في مكان استشهاد شيماء، وكان الوجع واحداً، ليقدمن الدليل على أن مصر لم تحترق إنسانيّاً بعد، كما احترق جل النخب الذكورية، التي يتلون ألمها بأصباغ الأيديولوجيا والانتماء الحزبي والاجتماعي والطبقي، من عينة طبيب العقم، محمد أبو الغار، الذي بكى شيماء، ولم يهتز لموت سندس، فخاطب الجنرال الصاعد للحكم فوق جثث ودماء هكذا "سيدي الرئيس، مصر الآن في مواجهات داخلية خطيرة، ومواجهات خارجية أخطر في سيناء وليبيا وغيرهما"، ثم يضيف "لم أستطع النوم الليالي الماضية، وأخذت أفكر في شيماء، الشابة الرائعة التي ماتت في عمر الزهور".
نام أبو الغار قرير العين، راضيّاً مطمئناً، طوال 19 شهراً من القتل اليومي لنساء وأطفال وأساتذة جامعة مثله، لكنهم، لسوء حظهم، مختلفون فكريّاً وأيديولوجيّاً وسياسيّاً مع أفكاره، لا مجال ولا وقت ولا داعي للألم لموتهم، وإزعاج الرئيس برسائل ملتاعة، تشكو عدم القدرة على النوم.
ويبقى أن حزن عيسى وأبو الغار الانتقائي لا يختلف عن صراخ ذلك المذيع الفاشي على شاشة تلفزيونية بأن "قتل شيماء حاجة وقتل الإخوان حاجة ثانية"، كما لا يبتعد، في فظاظته وعنصريته، عن تصريحات " المقاول محلب" الذي يترأس حكومة القتل، أو وزير داخليته، عن أن "دماء شيماء لن تضيع هدراً"
لقد وجدت وقفة شيماء ترحيباً من مختلف ألوان الطيف السياسي، وأحيت الآمال في القدرة على التخلص من ذلك الجدار العنصري اللعين الذي أقامته الدولة الفاشية، لتأمين بقائها، وأتمنى لو ضربت هؤلاء النساء الرائعات موعداً آخر، لوقفة قادمة في مكان استشهاد الطفلة سندس في مدينة الإسكندرية، ترفع فيها صور شيماء وغيرها من الشهيدات أيضاً.
وائل قنديل
سندس في وقفة شيماء 1611