قلنا وقد أوغل الرّبيع في تعثّره وعثراته:
لا مناص من فصلٍ آخرَ ينتشلُ بحضوره ما أمكن من واقعٍ موجوع تدهسه حوافر الفوضى والضياع، بدَت مشاعرُنا أشبه بمشاعر ذلك الفلّاح "المُجِلّ" الذي يفرح -ذات حصادٍ مضروب مرير - لسنبلةٍ معطوبةٍ تقع في وعائه المشبع بالحاجة، فوقفنا تحت هجسها الملتهب ننتظرُ فرجاً طالما أمعنَ في الجفوة والاستعصاء رغم عظيم صبرنا وطول الانتظار...
لقد حَشَرنا الواقع التّعيس في زواياه المقلقة المخيفة، ولا خيارات مُثلىَ فتسعفنا للإفلات من جحيمه، فكان أن ارتضينا بـهذا "الحاصلِ" بعيداً عن حسابات الرضى والاقتناع، وكان "الحاصل الناصل "..
هنا رئيس تنصّل عن دوره فقادتنا مغامراته "الشوربانية" الهوجاء نحو المزيد من الشّتات والجحيم!!
بالأمس وبعد أن أفرغته سياساته الطائشة المرتبكة من محتواه كرئيسٍ توافقي بدا في نظر العامّة -ذات لحظةٍ زمنيةٍ حرجة - على أنّه المنقذ والمخلّص، وبعد أن ساخت قدماه في رمال الواقع الرخو كنتيجة منطقية لمقدماتٍ صنعتها يداه المرتعشتان؛ ظهرَ مقدّماً استقالته كخيارٍ بائسٍ يمكن أن يمنحه الفرصة الملائمة للهروب إلى حيث يمكن "للبراءة" أن تتلقفه بحضنها الدافئ بعد أن هوت به الأحداث والوقائع نحو منزلقات مخيفة من تُهَم التواطؤ والخيانة!
لكنّها (الاستقالة) وفي هذا التوقيت الزمني الحرج لن تفعل أكثر من كونها حيلة مكشوفة للبقاء والتمديد.. إذ يَطلُّ عامل الزمن هنا لنسف كل ما يتعلق بنبل المسعى وغايته، فالرئيس على مرمى حجر من انتهاء ولايته وكان لا بد أن يفعل شيئاً حتى يتفادى الوصول الى فبراير تأريخ انتهاء صلاحية حضوره كرئيس للدولة خاصّة في ظلّ الحضور الحوثي المفخّخ بالريبة والشك، وطموحاته التي لا تتوقف عند حد، ومنها الطلب الذي أضرم -بالإضافة إلى ما سبق - هشيم المخاوف لدى الرئيس ، والمتعلق بتعيين نائبٍ حوثي له....!
على كلٍّ، ليس عيبا أن يبادر الرئيس -أيّ رئيس- في تقديم استقالته، فتلك خطوة إن تعزّزت بالصدق والإخلاص ، لا شك مهمة ، وتضع الأمور في طريق المعالجة والتصحيح، خاصة إذا ما وصلت الأمور كما هو عندنا إلى مرحلة العجز المحفوف بالخطر...يكمن العيب فقط في عدم سلامة هذه الاستقالة أو تلك من نوازع النفس الأمارة بالسوء، أو أن تأتي في غير وقتها ما يجعلها أكثر عرضة لقصف الشكوك والشبهات..
فلِمَ لمْ يقدمها الرئيس هادي أو حتى يلوّح بها في الأوقات الملحّة التي استدعتها الضرورة والظروف وما أكثرها!؟
لماذا الآن تحديداً..؟
لقد كان بإمكانه مثلاً
-وقد أطبق العجز عليه بشراسة- أن يفعل ذلك وعمران تتهيأ للسقوط في أيدي الجماعات المسلحة..
وقبل عمران، دمّاج وغيرها وهي تتساقط في كمائن صمته وصرختهم !!
لو شاء لفعل ذلك فصدقناه واعتبرناه بطلاً، لكنه أراد البقاء ولو على جثّة هذا الوطن فنفذ المهمة باتقان؛ بقاؤوه وذهاب الوطن!
أخيراً يمكن القول بأنّ بوسع مجلس النواب أن يقبل استقالة الرئيس أو أن يرفضها، لكنّ هذا المجلس الشتات ليس بوسعه أن يعيدَ لنا وطنا استحال بفضل هادي وبركاته إلى أسواقٍ مفتوحة لبضاعات الموت والزيف والزيغ والضلال!!
ليس باستطاعته أن يمثلنا كما ينبغي...إنّه وبقية نخب هذا الوطن الكسيحة لا يجيدون سوى التمثيل بنا وبأحلامنا!!
ستجدهم غداً يمدّدون للوجع من جديد، يعقدون صفقاتهم مع الفجيعة ، يتمددون ولا حياء ولا حرج، لتتمدد الآمال ببقائهم الباهض وليذهب الشعب كل الشعب إلى الجحيم.
المجد للشرفاء ولهذا الوطن الأسمى السماء.
غيلان العماري
الاستقالة.. كخطوة في سبيل البقاء 2154