في يوم 27 يوليو/تموز الماضي، سألت صحيفة الوطن المصرية أحمد سعيد، رئيس حزب المصريين الأحرار الذي أنشأه رجل الأعمال، نجيب ساويرس، عن إمكانات حزبه المالية والسياسية، فقال نصاً (دائماً ما توجه لنا الاتهامات بأننا حزب معه "فلوس"، والحقيقة أننا لسنا حزباً مليئاً بالأموال، وإنما لديه قدرة على الإتيان بالأموال لو "اتزنق"، وهناك فرق بين أن تفتح خزانتك فتجد داخلها "فلوس"، وأن تكون أكبر حزب جمع أموالاً في 30 يونيو ليس من الممولين الرئيسيين، وإنما من رجال أعمال كانوا واثقين في "المصريين الأحرار"، وأعطوه أموالهم للإنفاق على 30 يونيو، وكانوا يعتقدون أن تلك الفترة ستطول فلم نكن نتخيل سيناريو 3 يوليو).
تلك كانت عملية 30/6/2013، للقرصنة على ثورة يناير الفقيرة، ثورة التمر والكمامات الواقية من الغاز وزجاجات الخل الرخيص، وشتان بين عفوية يناير البريئة والعملية التي كما وصفها صانعوها، كانت مشروعاً استثمر في المزاج الشعبي الساخط بفعل أزمات هم، أيضاً، صانعوها، وضخوا فيه أموالاً طائلة من الخارج والداخل، بغية التخلص من نظام حكم هو الأول من نوعه في تاريخ المصريين، كونه جاء عبر صناديق الاقتراع، لا صناديق الذخيرة، أو صناديق الأموال.
وعلى منوال الثلاثين من يونيو، ينشط الآن أباطرة البيزنس والسياسة في تشكيل اندماجات وتحالفات انتخابية لبرلمان يكرس القانون المعد لانتخاباته منطق أن عضوية مجلس النواب ستكون لمن يملك المال فقط، وهو بذلك لا يختلف عن برلمان 2010 الذي كان تجسيداً لنقل مفهوم الاحتكار من عالم الاقتصاد والمال إلى عالم السياسة والتشريع، عبر انتخابات كانت الأكثر فساداً في تاريخ برلمانات العالم، أفرزت مجلس شعب تحكم في هندسته جمال مبارك وأحمد عز، فخرج على نحو جعله أضحوكة العالم.
ولم تكن لذلك البرلمان المعوج ميزة، سوى أنه سرع من وتيرة الغليان الشعبي ضد النظام برمته، خصوصاً بعد سخرية حسني مبارك من المحتجين على هذه الانتخابات بعبارته الشهيرة "خليهم يتسلوا"، وإن هي إلا أسابيع حتى كانت التسلية طوفان غضبٍ اكتسح مبارك وحزبه وأسقطهما في 18 يوماً فقط.
إن إدراك حقيقة أن 30 يونيو/حزيران كانت عملية سلطوية مدبرة أنفقت عليها مئات الملايين من الدولارات لم يعد في حاجة إلى جهد عقلي كبير، لا سيما وأن الحالة المصرية تساق إلى مجتمع النصف في المائة الذي يملك كل شيء في الاقتصاد، ويهيمن على كل شيء في السياسة، فيما تبقى جموع الشعب في نظر طبقة الأمراء مجرد حزم من الحطب يشعلون فيها النار، ويحرقون بها خصومهم في معاركهم الخاصة.
وعلى ذلك، يتجاوز الخروج إلى الميادين، اليوم، كونه احتفالاً بذكرى أو تذكيراً بحق ضائع لشهداء ومصابي ثورة عبرت في الأفق قبل أربع سنوات، ليصبح استكمالاً لنضال قطع ذيل نظام وتغافل عن إسقاط رأسه وأطرافه، فتلقى ضربة طرحته أرضاً، فحاول النهوض على مدار 19 شهراً مضت.
وغني عن البيان أن الكرامة الإنسانية كانت الشعلة التي أضاءت غضب عام 2011، حيث تدحرجت كرة اللّهب من صفحة في الفضاء الإلكتروني، اسمها "كلنا خالد سعيد"، شهيد البطش البوليسي، إلى أرض الواقع، بعد أن تحولت مأساة رحيله إلى أيقونة يجتمع حولها الغاضبون العاديون ونجوم المسرح السياسي المشهورون في ذلك الوقت.
واليوم، تبكي مصر على مئات، بل آلاف "خالد سعيد"، شهداء الدولة العسكرية البوليسية، وكانت آخر عنقود شهداء القمع سندس رضا، ذات الـ 15 ربيعاً فقط، علها توقظ ضمائر تجمدت في ثلاجات الخوف والقهر، بعد أن أشعلت ببراءتها ساحات التواصل الاجتماعي إيذاناً بانطلاق "ثورة السندس".. صحيح أنها ثورة بلا نجوم، ويناصبها "إعلام الولدان والبنات بتوعهم" العداء. لكن، من قال إن النجوم يصنعون نجاح الثورة؟
وائل قنديل
ثورة السندس بلا نجوم 1181