تنبئ حالة العنف والفوضى التي تتصاعد في اليمن بشكل كبير, بمرحلة جديدة من مراحل الصراع ودخول البلاد كلها في دوامة من التناحر الداخلي ستكون هذه المرة الحرب الطائفية إبراز تجلياتها ويترشح حدوث مثل هذا السيناريو بقوة في ظل اختراقات عناصر القاعدة وقدرتها على خلط الأوراق في وجه الجميع وكذا استمرار تقدم جماعة الحوثي على الأرض بعد أن صارت هذه الجماعة رقماً صعباً في المعادلة السياسية اليمنية بل اصعب رقم فيها .
ويغدو هذا السيناريو اكثر احتمالاً في ضوء الانكفاء المجتمعي على الذات المحطمة والممزقة بالمنظومة الأمنية والعسكرية في البلاد وارتفاع موجات العنف والتفجيرات الإرهابية التي أصبحت أمراً واقعاً في اليمن إلى درجة أن اليمنيين باتوا ينامون على مذبحة ويصحون على كارثة وآخر الشواهد على ذلك انهم وقبل أن ينسوا حادثة التفجير المروع الذي استهدف احتفالاً رسمياً وشعبياً في مدينة إب والذي سقط فيه العشرات من الأبرياء حتى فاجأتهم جريمة التفجير المفخخ في طابور المتقدمين للالتحاق بكلية الشرطة في العاصمة صنعاء الأربعاء الماضي وهو ما أدى إلى استشهاد 40 شاباً وعشرات من الجرحى وهى الحادثة التي وقعت في وقت متزامن تقريبا مع الهجمات الإرهابية على صحيفة (شارلي ايبدو)في العاصمة الفرنسية باريس والتي قيل أن منفذيها قد تلقوا تدريباتهم في اليمن مما يشى إلى أن الجريمة ليست بالضرورة لها علاقة بدين أو جنس أو انتماء الضحية .
وتأسيساً على ما سبق يتساءل اليمنيون بكثير من الخوف والقلق عن المصير الغامض الذي يواجه وطنهم خصوصا وهم من يشعرون أن هذا الوطن اصبح رهينة لعناصر العنف المسلحة بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها بعد أن تفككت دولتهم وانقسم جيشهم وانهار نظامهم القبلي الذي كان يدير الصراعات وقواعد الاستقرار وانتكست مكوناتهم السياسية نكسة قاتلة لتستوطن فوضى القتل والترويع وانتهاك الحرمات في هذا البلد الذي لم يعد فيه مكان لطرف ثالث؛ فإما قاتل أو مقتول بعد أن لاذت الأغلبية من الشعب اليمني بالصمت إزاء هذه الجرائم على الرغم من أن الصمت في هذه الحالة يمثل جريمة لا تقل بشاعة عن تخاذل السلطة والتي توقف دورها على تجهيز النعوش للضحايا وتوديعهم بخطاب تعزية ركيك لا يحمل أي قدر من النباهة والفطنة لتوجيه الرأي العام لمصلحة استعادة الاستقرار والاصطفاف في مواجهة الإرهاب وتثبيت أركان الدولة وبسط نفوذها على كامل التراب الوطني .
ووسط هذه المتغيرات التي تمتزج بالآلام والحزن والإحباط يبقى المستفيد الأكبر من هذه الأوضاع هو تنظيم القاعدة الذي يستغل حالة عدم الاستقرار وغياب الدولة شبه الكامل في تعزيز انتشاره على الساحة اليمنية وفي المقابل تأتي جماعة الحوثي التي تظهر من كونها الفريق الوحيد الذي يتصدى لتنظيم القاعدة وهو ما قد يجعل هذه الجماعة تحظى في مرحلة لاحقة بدعم مستدام وغير محدد من بعض القوى الخارجية التي تبدي قلقاً واضحاً من تنامي أنشطة (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) وهو ما قد تصبح معه المواجهات بين القوى الراديكالية والتيارات المتشددة والتي يمثلها تنظيم القاعدة وانصار الشريعة من جهة وجماعة الحوثي واتباعها والقوى القريبة منها من جهة أخرى, مواجهات ذات طابع طائفي أو مذهبي أو اثني هجين من الأيديولوجيا المتناقضة والقابلة للاشتعال .
اليمنيون أمام امتحان صعب؛ فإما أن يصطفوا للدفاع عن وجودهم وإما أن يغرقوا في الحروب والدماء والعنف وتتحول بلادهم إلى مرتع للإرهاب ليستنسخ على ركامها حروب قبائل وطوائف القرن الثامن عشر.
الرياض السعودية
علي ناجي الرعوي
جولة جديدة من الصراع في اليمن !! 1686