نكرر بأنه لم يعد في الإمكان فهم ما يجري في اليمن، أو تقديم أي تفسير مقنع لما تشهده من تطورات مأساوية خطيرة، وأحداث مفجعة موغلة في العنف والإرهاب، ومليئة بصور الموت والفناء والدمار في ظل أوضاع سياسية متردية، واختلالات أمنية متدهورة واقتصاد على وشك الانهيار وتمدد غير مسبوق لتنظيم القاعدة الذي زادت أعماله الإرهابية تحت مبررات واهية إذ لا يمر يوم دون حدوث تفجيرات انتحارية غادرة، واغتيالات وأعمال عنف، وسيارات مفخخة تحصد أرواح المئات من الأبرياء أطفالاً وشباباً وشيوخاً.. رجالاً ونساءً- بدون تمييز- وكلما وقع حادث إجرامي بشع تبعته جريمة أبشع وأكثر حقداً ودموية، وكل هذا يحدث دون أي دور يذكر للدولة؛ التي أُصيبت بالضعف والوهن، إلى جانب صمت القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع التي بيدها أمر إنقاذ البلاد -إن أرادت- لانشغالها بصراعاتها العبثية، ولهثها وراء ما يمكن أن تحصل عليه من الكعكة المفككة أصلاً، بينما الشعب يتطلع لإنقاذه من هذا الواقع الدموي المرير المليء بكل أنواع المعاناة، بالإضافة إلى الفساد والفوضى والعبث الذي ينخر جسد الوطن والدولة، ولم يتم وضع أي حدٍ له أو منع استمراره، برغم ما تضمنته الاتفاقات ونتائج الحوارات والمواثيق التي توصلت إليها القوى السياسية خلال الأربع السنوات الماضية وشغلت الناس بها، ابتداءً من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة التي كفلت الكثير من الحلول العملية والممكنة للأزمة السياسية اليمنية، وحددت واجبات واستحقاقات كل الأطراف المعنية، وحظيت بتأييد وطني وإقليمي ودولي واسع، ومع ذلك جرى الانقلاب عليها وخلق المبررات الواهية للخروج عنها وعدم تنفيذ أغلب بنودها، وتلتها وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي استمر فترة تزيد عن عشرة أشهر برعاية وتمويل إقليمي ودولي، وشكلت تلك المخرجات ما يمكن اعتباره برنامج عمل للدولة والمجتمع لإنقاذ البلاد ومعالجة مختلف القضايا المستعصية وكل الإشكالات والمعوقات التي تعترض طريق اليمنيين للوصول إلى الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة دولة النظام والقانون القائمة على مبادئ الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، الدولة التي تحافظ على وحدة الأرض والإنسان وتحقق الأمن والاستقرار والسلام لليمنيين، وهذه الوثيقة ما كان لها أن تنجز لولا تفاعل المكونات السياسية التي شاركت في حوارات ونقاشات وعراكات وخلافات واتفاقات وتوافقات خلال فترة انعقاد المؤتمر أنتجت تلك المخرجات، ومع ذلك لم ينفذ منها حتى اليوم شيء، وأخيراً اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي أسقط حكومة الوفاق الوطني وأتى بحكومة كفاءات يبدو أن طريقها مليء بالأشواك والألغام التي تستهدف من ورائها بعض القوى السياسية عرقلة تنفيذ برنامج عمل الحكومة، رغم الإجراءات الجريئة والخطوات الجدية التي بدأت بها الحكومة مشوار عملها.
لا زال اليمنيون يأملون في تجاوز هذا الواقع الأليم، وإن كانت المؤشرات غير مبشرة، بسبب الأوضاع المعقدة التي زادت من خطورتها الأعمال الإرهابية البشعة التي شهدتها البلاد منذ بداية العام الميلادي الجديد، بينما الدولة عاجزة عن الحد منها، والنخب السياسية والقوى المتحكمة في مصير الشعب والوطن غير جادة في التعاون مع الدولة، ومستمرة في غواياتها وإصرارها على عرقلة جهود تجاوز الوضع المأساوي الحالي.
إن الخروج الآمن لليمنيين من الأزمات المحدقة بهم في الظروف الراهنة، والانتقال إلى الواقع الآمن الذي يتطلعون إليه لن يتحقق إلاّ في ظل وفاق وتوافق كل القوى السياسية الفاعلة في المجتمع، وقناعتها أولاً وأخيراً بضرورة إجراء مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحداً، وبالتالي خلق اصطفاف وطني واسع لإنقاذ البلاد والتصدي للتحديات الكبيرة التي تواجه اليمن واليمنيين وفي مقدمتها آفة العنف والإرهاب وتجفيف منابعها.
الرياض السعودية
على حسن الشاطر
الوفاق والتوافق..المخرج الآمن لليمن 2000