لن يندم اليمنيون يوماً اكثر من ندمهم على اللحظة التي اتجهوا فيها إلى نفث اللهب على وجوه بعضهم البعض دون وعي أو ادراك بمخاطر هذه اللعبة وانعكاساتها المدمرة على الوحدة الوطنية وخلايا التعايش السلمي، ومراحل الانتقال التي يمر بها المجتمع والتي بدأت قاطرتها بالجريان عقب الأحداث والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها اليمن في اطار ما سمي ببازار(الربيع العربي) عام 2011م والذي وإن لم تكن معطياته نابعة على الأقل في هذا البلد من الوجدان الداخلي, فقد جاءت المبادرة الخليجية كحل وسط لجميع المكونات المتصارعة والتي توافقت بموجب تلك المبادرة على مسارات(الانتقال السياسي) ومحددات هذا الانتقال وأزمنته إلا انه ورغم ما توفر لليمنيين من فرص للنجاح فقد أضاعوا كل هذه الفرص حينما عادوا واستسلموا لخطاب المغالبة والتناطح وعمدوا إلى إعادة إنتاج صراعاتهم القديمة والجديدة وتخندقاتهم الضيقة والتي سقط تحت وطأتها وحروبها العبثية والغبية المشروع الوطني من عقيدة الصراع السياسي لتختفي معه تلقائيا آليات الشراكة والتوافق الذي تحقق في مؤتمر الحوار ومنطق المصلحة الوطنية وتبرز في المقابل عوامل الفوضى وتهشم قواعد الدولة وتتلاشى شرعيتها كمحصلة طبيعية لخلافات الفرقاء في هذا البلد المنكوب والمتهالك.
قلت مراراً إن اليمن كان على موعد مع مشروع متقدم لبناء دولة جديدة وعصرية تفتح أمامه آفاق التحول والنماء والتطور والرخاء لكن وكما يقال:" ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"؛ إذ أن السياسة الخاطئة التي أُديرت بها المرحلة الانتقالية قد أدت إلى خلخلة الوضع السياسي وإرباكه, ناهيك عن انفراط عقد الدولة وانهيار كامل مؤسساتها على النحو الذي لم يكن يتوقعه احد ولا يبدو أن القوى التي دخلت لعبة الصراع قد استشعرت عواقب هذا الانهيار المدوي لسلطات الدولة لتحل المليشيات والجماعات المسلحة محل الدولة ومكان إدارتها ومؤسساتها..
وبغض النظر عن كون ما يجري في اليمن صراعا سياسياً أو مذهبياً أو حرباً بالوكالة, فان هذه الصراعات والحروب بالوكالة باتت من تفرض هيمنتها على الواقع الذي اصبح اكثر هشاشة وقابلاً للاختراق والتقسيم وربما عاجزاً عن النهوض مجدداً.
البعض قد يتساءل كيف حدث ذلك؟ ومن المسؤول عنه؟ ومن المستفيد منه؟ وكيف جرى القفز على الحلول التي تضمنتها المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار ومن بعد ذلك اتفاق السلم والشراكة الموقع في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي؟ إلا انه ومهما اختلفت الإجابات عن مثل هذه التساؤلات فإنها التي لن تختلف في أن جميع المكونات الجيوسياسية والقبلية والدينية والمذهبية لم تستطع أن تعمل ضمن اطار المحيط الواحد أو أن تتجاوز أحقاد الماضي وسلبية الحاضر لذلك وبدلا من أن تتجه وبعد حواراتها الطويلة والشاقة إلى الدخول في مصالحة وطنية شاملة فقد اتجهت كما أشار الدكتور أبو بكر القربي- وزير الخارجية السابق- إلى محاكمات بعضها البعض وبفعل هذه المواقف وانعدام الثقة بين الفاعلين الأساسيين في المشهد اليمني وضعف السلطة القائمة والتي تبدو اليوم عاجزة عن استعادة الثقة بالدولة وإيقاف مظاهر العنف والتوتر فقد أصبحت الأمور في هذا البلد اكثر تعقيداً, مما كانت عليه طوال السنوات الماضية وهو ما قد يتعذر معه التوصل إلى أي حل سياسي دون توافق إقليمي ودولي حوله لضمان ديمومة نجاحه.
محنة اليمن ليست في صراعات أبنائه وحسب, بل في التدخلات الخارجية والتي ساعدوا بأنفسهم على وجودها سواء بإرادتهم أو بغيرها وفي ضوء ما هو حاصل من تدهور, فإن التفكك يتعمق في هذا البلد وعودته إلى ما كان عليه قبل اندلاع الأحداث امر مستبعد وشديد الصعوبة.
الرياض
علي ناجي الرعوي
فشل الانتقال السياسي في اليمن!! 1751