وَطني لا يعاني شيئًا, سوى القليل من الخذلان وبعض من الحزن والعتب, عليه القليل من الخيبة والأوجاع التي قد تثاقلت بعضها فوق بعض لتصبح صخراً صلباً يجثم على صدره الذي كان ملجأ للأمان يوماً ما, وأرضا للسلام في أحد الأزمنة, ومنبعاً للثقافة ذات مرة..
لا شيء سوى القليل من النزاعات, تليها الصراعات الدامية, ثم بعد ذلك تفجيرات وغارات يذهب ضحيتها العشرات من حماة الديار, والشباب الذين لا يمتون للسياسة في البلد بصلة, والأطفال الذين لا يفقهون منها شيئاً..
الحقيقة الحقة والمرة أن لا شيء هناك في هذا الوطن غير بعض من الطائفية يشوبها شعور بالرغبة بالانتقام.. وفيها إحساس بالحقد الدفين لأبناء الوطن الواحد والراية الواحدة.
نحن لا نعاني شيئاَ.!!.بيد أن الكهرباء مقطوعة, والأمية أصبحن مرضاً معديا, والفقر آفة خبيثة كالسرطان تتخلخل في الجسم ثم ما تلبث إلا أن تنتشر في جميع أنحاء البدن بشكل رهيب!
وهناك العاملون في الشوارع سواءً على عربات الخضار والفواكه أو على الرصيف.. هؤلاء لا يشتكون من شيء سوى أن لديهم مؤهلات وشهادات متميزة تكفيهم هم البطالة..
نعم لا شيء.. سوى أن بعضهم أغبياء يظنون بأنه ليس هنالك شيء.. متى سيصحون من غفلتهم؟ لا أدري! فلا شيء في جماجمهم عدا اللّا شيء.. وقلوبهم مغلفة باللّا شيء.. فأصبح اللّا شيء وعدم الاكتراث يطفو على سطح التخلف ويرسو على شاطئ الجهل..
عندما كنا صغاراً كنا لا ندرك شيئاً من الوطن سوى اسمه وألوان علمه فقط.. واليوم حين كبرنا أدركنا جيدا ما يعنيه الوطن وأدركنا بوضوح ما تحمله هذه الكلمة في طياتها من مفاهيم عظيمة..
فهي بواوها تعني "وعداً بأن نكافح " وهي بطائها تعني "طموحاً بأن نجعله مثلاً يحتذى به" وهي بنونها تعني "نجاحا من بعد عمل وكفاح تعبنا فيه للوفاء بوعد..
ولكنني شخصياً عندما كبرت أدركت فعلاً بأنه ليس هنالك شيء من هذا غير اللّا شيء!!
لا شيء عدا أن هناك من يغدر ويسفك دماء أبرياء وشباب لا يزالون في مقتبل عمرهم .. لا شيء غير أن طموحاتهم ذهبت مع أرواحهم.. في تفجيرات أفسرها أنا بأنها حقد دفين ومرض خبيث لا يحب الحياة..
أتعلمون؟ لا شيء سوى أننا حققنا اللا شيء لهذا الوطن..
إيمان القاضي
وَطن اللّا شيء 1277