كنت يومها عائدة من اختبار قبولي في الجامعة وقد كان الوقت ظهراً وكان الشارع متكدساً بالمارة والباعة المتجولين ووسائل النقل المختلفة..
وبينما وأنا أمشي قاصدة حافلة استقلها كي أعود إلى المنزل, لفت انتباهي بائع يقف أمام عربته المكتظة بمختلف المأكولات الغذائية من" بسكويت وحلوى ومكسرات وغيرها.. اتجهت صوب العربة وقصدت بعضاً من الشوكلا التي أحبها فاشتريت بعضاً منها ولكنني عندما أعطيت البائع المال تفاجأت بالمبلغ الذي أعاده لي, حيث أنه كان أضعاف المبلغ المفروض إعادته لي!..
سألته باستغراب:" ولكن لما؟! ما أعرفه أن هذه الشوكلا بـ(..) ريال؟
فأجاب: هي اليوم ليست كذلك!!
-لِمَ؟
أجاب- وهو يعيد ترتيب مقتنيات العربة ودون اكتراث- قال:" لأنها شارفت على الانتهاء!!
تركتها فوراً من يدي وهو يلاحظني أفعل ذلك.. ثم أخذتها ثانية لأقرأ مدة صلاحيتها, فكانت حقا ستنتهي بعد يومين فأخذت ألوح بالشوكلاته بيدي وأنا أقول:" ولكن هذا مضر جدا بصحة من سيتناولها وقد يؤدي بحياته إن كان طفلا أو ذا مناعة ضعيفة؟".
وقد عجبت كثيراُ حين رد علي بسخرية وقال وهو يبتسم "لا تقلقي فكل ما دخل البطن أفادها!"..
أعدت إليه ماكنت قد اشتريته ومع غيضي الشديد من تصرفه هذا لم آبه بالنقود التي لازالت معه فذهبت ولم استجب لندائه...
أوصلَ الاستهتار بنا إلى هذا الحد؟.. ووصلت الوقاحة أن يبيع بعضنا صحة إنسان من أجل بعض من الدراهم!
إن سبب تفشي الأمراض والأويئة في البلد ما هو إلا نتيجة لاستهتار الجهات الخاصة بالجانب الصحي والتي لا أظن أنها تبذل أدنى مجهود في سبيل الحفاظ على صحة المواطن المسكين.. واذا اتجهت في حديثي إلى موضوع لا يقل أهمية وهو النظافة فسأخبرك بأن القمامة تتكدس في الشوارع العامة والمجاري تتدفق دون اكتراث لها ولما تخلفه إن أهملت من أدواء وأوبئة تضر بصحة المواطن.. إن قلبي ليبكي قبل عيناي حين أرى هذه المناظر في بلد له تاريخ خاص بالنقاء والجمال..
وحين أدقق النظر أكثر فإني أرى الأزمة على أوضحها وأدرك إلى أي منحدر وصلنا إليه" نزاعات.. اختلال للأمن.. أمراض وأوبئة متفشية.. بالإضافة إلى تلك القمامة المتكدسة في الشوارع.. وأولئك الباعة الغائبون المغيبون عن الوعي".. لن نجني نحن إلا ما نزرعه ومحال علينا أن نجني من كل هذا غير العوسج والعلقم..
الوطن أمانة ولا أدري هل قد اختينت أم لعلها مجرد عاصفة ستمر بسلام؟
فنحن لنا تاريخ عظيم يشهده كل من قرأ التاريخ ومن لم يقرأه.. أم لعل التاريخ "هراء" كما قال أحد الفلاسفة الأجانب!
إن لم نحاول أن نبني وطنا نعتز بتاريخه ونشيده كما ينص التاريخ فهو حتما هراء وهذر سخيف.. فما فائدة تاريخ بلا عبرة نجني منها شيئاً ملموساً؟
ترى ماذا سيسطر التاريخ عن أحداث الوقت الراهن؟.. هل سيشهد بأنه في عامي 2013_2014 ارتفع مستوى البطالة في اليمن الى 75%.. أم لعله سيقول إن عام 2014 قد كان من أكثر الأعوام دموية بسبب صراعات مذهبية..
إن التغيير والحضارة يبدأن من الداخل.. من داخل المواطن نفسه أما عن المؤسسات والوزارات فهذا شيء ثانوي.. فإذا هو تغير تغير سلوكه ونهج حياته وأصبحت له رغبة جارفة في أن يكون إنسان ذا طابع وثقافة خاصة.. وسيتجه حتماً نحو عالم آخر.. عالم نظيف خالٍ من الزيف والخداع وتلك الأقنعة الكاذبة.. وسيصبح حتماً واعياُ كل الوعي بما يدور من حوله..
ولكم أتمنى أن أرى وطني سعيداً كما كان منذ الأزل مقرونة السعادة باسمه وكان وسيظل "اليمن السعيد" وهذا حلمي وحلم كل مواطن غيور على مستقبل بلاده.. وستعود لنا تلك الأرض الخصبة الجميلة..
إن الواجب علينا اليوم هو أن نكافح من أجل الحفاظ على ذاتيتنا بالارتباط بمنظومتنا الفكرية والتوجه نحو ثقافتنا ونتاجها.. وأن نقوم بتحقيق ألوان جديدة من الفكر والعرفان فوق أطلسنا الفكري.. وإن من أهم المسائل التي تحتاج إلى إيضاح أنه مادام المواطن هو من يريد الحضارة والتقدم فلابد لهما في الوطن.. وإن هو "المواطن" مادام مطأطأ الرأس عما يعصف بالوطن فلابد للوطن أن يضل كما هو عليه.. في منحدر خطير!ٍ
إيمان القاضي
منحدر خطير...! 1106