يمر الوطن هذه الأيام بمرحلة خطيرة وحرجة هي الأسوأ في تاريخ اليمن الحديث بلغت ذروتها بعد السيطرة الشبه كاملة علي مفاصل الدولة من قبل أنصار الله وتبددت أحلام اليمنيين وتطلعاتهم المنشودة في بناء الدولة القوية والمتماسكة, دولة المؤسسات والنظام والقانون التي سعى من أجلها المناضلون والأحرار منذ عقود.
فلم تشهد البلاد مرحلة واحدة مستقرة على الإطلاق وكلما أوشكت مرحلة ما على الاستقرار سرعان ما تظهر بوادر خلاف بملفات جديدة لم نحسن التصرف معها من أجل معالجتها أو القضاء عليها حتى لا تستفحل وتأتي بنتائج كارثي.
فغالبا ما نلجأ إلى إعطاء الوصفة قبل التشخيص وأحيانا قد لا نشخص الحالة بتاتا وأن شخصنا حالة ما فغالبا ما يتم إما إعطاء وصفة غير فاعلة أو إعطاء وصفة بجرعات قاتلة! قد تضر بالحالة وهذا من وجهة نظري من أهم الأسباب التي أوصلتنا إلى مانحن عليه اليوم. ولو عدنا إلى الماضي محاوله منا في تشخيص الحالة والوصفة التي أعطيت والوصفة التي كان ينبغي إعطاؤها فمثلا تم الإطاحة بالرئيس السلال بحجة التخلص من حكم العسكر تقليدا لمصر! وأغفلنا جانبا مهما وهو أن البلد مازال يعيش أوضاعا مضطربة ولم يستقر بعد ومازالت الحرب مفتوحة ودائرة بين الجمهوريين والملكيين وأن البلد في تلك المرحلة بأمس الحاجة إلى رجل قوي يؤسس لمرحلة قادمة في بناء الدولة وترسيخ الجمهورية وهذا لا يتوفر إلا برجل يأتي من المؤسسة العسكرية وماذا كانت النتيجة!؟ اختيار المرحوم القاضي الإرياني رئيس المجلس الجمهوري وهو مدني بمعني غير منتمى للمؤسسة العسكرية ولم يمض سوى ثلاثة أسابيع حتى بدأ الملكيون في حصار صنعاء ودارت معارك بينهما ولم تنته إلا بعد مصالحه وطنيه في العام ٧٠ ولم يحقق الداعيين إلى الحكم المدني أي شيء يصب في مصلحه استقرار البلاد وسيادتها وكان كما يصفه البعض تحول الحكم من سلطة العسكر إلى سلطة المشائخ وزاد الطين بلة وساءت معه الأوضاع والأحوال المعيشية إلا إن استطاعت القيادة العامة للقوات المسلحة بقيادة شهيد الأمة/ إبراهيم الحمدي من الإمساك بزمام الأمور من جديد واستعادة السلطة من المشائخ وحقق ما عجز عنه الآخرون برغم قصر فترته وكان هو الطبيب الماهر الوحيد الذي شخص الحالة المستعصية لمرض اليمن العضال وأدرك أن بناء دولة النظام والقانون وسيادته على الصغير والكبير هو الدواء النافع للحالة اليمنية وبالتالي رسخ لدينا مفهوم أن الرجل القوي والنزيه ولو ارتدى بزته العسكرية سيكون بلا شك محل إجماع وثقة الجميع وليس كما توصل إليه فريق الحكم الرشيد في احد موجهاته بضرورة ترك الرجل الخدمة في المؤسسة العسكرية لمدة لا تقل عن عشر سنوات كشرط لتوليه رئاسة البلاد وكأن البلد لا ينقصها إلا هذا وكأننا في أوربا ولا أدري كيف أجمعت مختلف القوى على هذا وكيف استخلصت العبر مع أننا نحن اليمنيون لنا تجربة فريدة ورائعة في حكم العسكر ولنا تجربة مريرة وسئية مع الحكم المدني فالبلاد يا إخوة بحاجة إلى حكم عسكري لفترة خمسين سنة على الأقل نرسخ فيها مفهوم الدولة شرط أن تكون دولة قويه ومتماسكة ودولة المؤسسات..
وهذا ما أشار إليه الشهيد الدكتور/ محمد عبدالملك المتوكل- في حوار متلفز لإحدى القنوات الفضائية في معرض رده على سؤال حول موقفه المعارض من مخرجات مؤتمر الحوار- بقوله (إننا بحاجة إلى بناء دولة وهي كفيلة بحل كل القضايا وحسم كل الخلافات فالقضية الجنوبية وقضية صعدة والحريات والحقوق والتنمية والاقتصاد والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية كل هذه القضايا ستحل بإيجاد الدولة).. لكننا لم نسمع منه فانشغلنا ببناء البيت الجديد "اليمن الجديد" على حساب البيت القديم "الدولة الحالية" ولم نعد ترميمه أو إصلاحه حتى يحين الانتقال إلى البيت الجديد الذي هو في الأساس لم يتفق الجميع في الوقت الحالي على شكله وبالتالي لم يتم وضع حتى لبنة واحدة وأصبح الساكنون بلا مأوى فلم يعد البيت القديم صالحا للسكن فقد تصدعت جدرانه وهدت قواعده وأركانه واندثر سقفه وكاد أن يطيح على رأس ساكنيه لولا عناية الله.. كل هذا بسبب إهمالنا وتفكيرنا بالمفقود على حساب ما هو متاح وموجود..
ولا زال البعض للأسف يراهن على بناء البيت الجديد على أنقاض البيت المدمر دون الشروع في إعادة إصلاحه وترميمه وإقامة قواعد وجسور كافية لحمايته من أي كوارث وتمهيدا لبنائه من جديد, أما من شقق جنب بعض أو طوابق فوق بعض في إطار الأرضية الواحدة.
المهم أن كل هذا يتوقف علي متانة وقوة وتحمل البيت القديم وكذا قدرة أصحابه في إيجاد التكاليف اللازمة والأهم من هذا كله هو المحافظة علي ما تبقي والإسراع ثم الإسراع في ترميمه وإصلاحه لان ساكنوه ليس بمقدورهم تحمل المزيد.
وفي الأخير أدعو الجميع إلى أن يستشعر مسؤولياته تجاه وطنه وأمته وأن نسارع إلى بناء دولة قوية ومتماسكة حتي ولو دكتاتورية لأنه كما يقال "الدولة الظالمة لها في اليوم ألف حسنة" صحيح أن الغالبية لا يرغب بهذا, لكن البعض يرى أن الدولة الظالمة خير من الفوضى العارمة التي قد تطال الجميع بلا استثناء ولنعتبر مما يجري الآن فهاهم أنصار الله أنفسهم يشكون من الانفلات الأمني وغياب الدولة.. والسلطة تشكو أيضا من هذا, والمواطنون يشكون.. وبوجود الدولة القوية والقادرة علي القيام بواجباتها هو المخرج مما نحن فيه لأنه في ظل الوضع القائم وبروز الاختلالات وظاهرة الاختطافات لا ندري لمن نوجه أصابع الاتهام.. وأعيد وأكرر حتى ولو دكتاتورية واسألوا مواطني المحافظات الجنوبية.
يونس الحكيم
نريد دوله..حتى ولو دكتاتوريه!! 1213