الأوبئة تنتشر بصورة ترعب الناس, والأمراض الجلدية تتفاقم بتنوع غير عادي, وتظهر علل حديثة لم تكن مألوفة من قبل؛ بل وترجع للسطح أمراض فتاكة اندثرت عند الأمم الأخرى واستفاقت عندنا لتفتك بالناس مثل مرض الجذام !
السرطانات حسب أخر التقارير لمنظمات الصحة العالمية تسجِّل أرقاماً مخيفة في بلادنا , رأيت صوراً لمرضى مصابين بالسرطان وقد تفقأ موضع المرض وصنع في وجوههم وأجسادهم نتوءات غريبة مُفزعة !
سِرتُ في طريق مفرق " شرعب" قبل أسابيع ورأيت طيوراً جارحة تحوم حول جبل أسود تنبعث منه الأدخنة , تُرى هل هذا مقطع من فيلم رعب ؟!
عندما اقتربت السيارة أكثر كادت تقتلني الروائح المنبعثة من ذلك الجبل, عندما سألت " ما هذا ؟! " كانت الإجابة: إنه مقلب قمامة تعز !
كانت تجربة مروري بذلك المقلب من أسوأ ما مرَّ بي في حياتي !
في هذه الأيام تتكرر الصورة بشكل مصغَّر في قلب مدينة تعز , في طرف سوق " الجملة " قاموا بنقل مقلب القمامة التي توقفت البلدية عن رفعها منذ قرابة العامين , وحوَّلوها من واجهة السوق إلى بقعة قريبة منه , تم رصفها وتهيئتها بشكل جيد وجميل, منذ بضع سنوات لأمر لم نعلم ما هو !
وقتها لم يَدُر بخلد أحد أنها ستغدو مقلباً للقمامة بدلاً من المقلب القديم , الحاصل أنه يتم حرق هضاب من القمامة بشكل دائم في هذا المقلب , ويمر الطلاب والمبتاعون والحافلات المحملة بالركاب بجوار المقلب الدائم الاحتراق ويستنشقون ــ مرغمين ــ ذلك الهواء المسمم ذا الرائحة الكريهة !
التلوث الحاصل في مدينة تعز لابد أن يُعد من الجرائم ضد الإنسانية , ولو أنَّا امتلكنا الشجاعة الكافية ورفعنا شكوى أممية ضد المتسببين به ربما سنجد من ينصفنا, وقتها لن نشعر بألم أو وخز ضمير لو أن طائرات دون طيار ضربت المتسببين بهذه الجريمة النكراء !
الجميع يتساءل ؟!
هل مدير بلدية تعز يسكن فيها مثل بقية قاطنيها ؟ وهل يمر بهذه الطرقات التي يسيرون فيها ويرى ما يرونه من قُبحٍ يشوِّه مدينتهم الحالمة ؟
ربما أنه يستقل سيارة ذات نوافذ معماة لا يرى من خلالها شيئاً ممَّا نعانيه نحن المواطنون من تلوث متسارع متعاظم , يكاد يتحول لكارثة بيئية !
والأخ المحافظ أين هو يا ترى ؟
أطلق الكثير من الوعود لنا عندما صار محافظاً ولكن الواقع يرسم في عهده مأساة قُبح وتدني خدمات على خارطة حياتنا اليومية لم يسبق لها مثيل !
إنهم يعيشون في مكاتب مغلقة وقصور عالية ولا يدركون الخطر العظيم الذي يسري إليهم مع ذرات الهواء؛ سموم الحرائق ستتسلل حتماً لصدورهم وستتلف بشرة وجوههم كما تفعل بكل البسطاء !
ماذا تملك تعز من مقومات الجذب الحضاري ؟
هي لا تملك الشوارع الفسيحة, ولا ناطحات السحاب العالية ولا المتنزهات المدهشة, ولا التنسيق البديع في البنيان ولا الرفاهية والثراء.. هي حتى لا تملك أبسط مقومات الحياة " الماء" !
هي تملك شيئاً واحداً يجذب إليها قلوب الناس " نقاء هوائها " واليوم يتم تلويثه بصورة مروعة , وعلى مرأى ومسمع من الجميع !
لم يعد الوضع يطاق, وأضحى السكوت عنه يشبه إغماءة ضمير لا ينوي اليقظة مطلقاً .!
كفاكم قتلاً لتعز وساكنيها, ماذا جنته الحالمة لِيُحرَق هواؤها ويُسمَّم ناسها وتفقد أخر عامل جذب فيها ؟!
نبيلة الوليدي
جريمة تسميم تعز ..!! 1281