في مطلع العشرينات من القرن الماضي برزت المنظومات الحزبية اليمنية في شكل اتجاهات سريه تدعو إلى الاستقلال والتقدمية وإحلال الأنظمة السياسية المحلية بدلاً من الاحتلالات المتعاقبة على الأمه اليمانية والوطن العظيم، ابتداءً من الاحتلال البرتغالي والاستعمار البريطاني والغزو العثماني في ربوع كل الأراضي اليمنية، وتوالت تلك الثورات والانتفاضات الشعبية نحو تأسيس أنظمة محلية كيفما كانت كبداية أولية لتأسيس النظام والقانون، فكانت الدولة الملكية المتوكلية في الشمال وكانت السلطنات والمشيخات المستقلة في الجنوب، وعاش الشعب اليمنى بكل أطيافه في نشوة وسعادة بقوة الاستقلال المحلي، الذي كان محط أنظار كل العرب في كون اليمن هو القطر الوحيد المستقل من الأقطار العربية المستعمرة، والتي كانت تعيش تحت وطأة الاحتلال في فترة الثلاثينات من القرن الماضي رغم وجود الوصاية البريطانية على جزء من الوطن العزيز وظهرت مميزات محليه في الفكر والنهج المحلى ومن تلك المميزات بروز بداية الفكر الارستقراطي المحلى كنبذة عصرية جامحة نحو الوطنية والاستقرار والأمن والافتخار بالهوية اليمنية الأصيلة ومبدئية الشرف الوطني السامي المتجدد بحيوية وفروسية ونبالة الأجداد القدماء من جانب ولفترات زمنية.. ومن جانب أخر ساد التدني للوضع السياسي جراء الجهل والانعزال وبروز العبودية والخنوع والانصياع الكامل لسلطة الفرد من الحكام والسلاطين والانعزال عن العلوم العصرية والحداثة والتقدم والانفتاح على السياسة الدولية والأنظمة العالمية في تلك الفترة.. وفى بداية الخمسينات من القرن الماضي بدأت تتشكل على الساحة اليمنية بذور المدنية والحداثة السياسية والحزبية والتي لم تكن رافضة اتجاهات الدين السمح او العرف المحلى للوطنية المحافظة بالأصالة بل كانت بدايات حزبيه ودستوريه محليه امتازت بمحاولة التوفيق بين القديم والحديث في الجوانب السياسية والحزبية والدستورية ومزج الفكر اليمنى المحلى المحافظ بكافة الأفكار والاتجاهات العصرية العربية والعالمية فتأثر الإنسان اليمني بذلك التحول الحزبي والمبدئي وتشكلت أحزاب سياسيه سريه كضرورة حتمية لإمكانية الثورة والانتفاضة الأم السبتمبرية والأكتوبرية ودخول اليمن في معترك العصرية والحداثة والتقدم وكان اليمن من السباقين في نيل العضوية في منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وكان هناك الكثير من الحركات الحزبية الأصولية والشعبوي أهمها منظمة الضباط الأحرار في الشمال والجبهة القومية في الجنوب وتأثر اليمانيون بكافة أطيافهم من القبائل ورجال الدين والسياسة بتلك الأحزاب السرية وظهرت على الساحة اليمنية تلك التفاعلات الدولية بين المعسكر الاشتراكي الشرقي والمعسكر الرأسمالي الغربي وبدأت نظريات الأحزاب الدستورية كالمناداة بدساتير الولايات الجنوبية والمؤكدة بدستور بثينة ولحج ودستور الولاية العدنية المستقلة.. والمناداة بالمملكة الدستورية الهاشمية في الشمال وتجاذبت القوى في تلك الفترة كما يعرف الجميع وبالمزيد من النضال والانتفاضات الشعبية تم إعلان الأنظمة الجمهورية كالجمهورية ذات الميول الاشتراكية في الجنوب والجمهورية ذات الميول الرأسمالية في الشمال.. وخلال تلك الفترة بدأت الأحزاب اليمنية تشق طريقها نحو الظهور تارة باسم الوطن والمجد الوطني وأخرى باسم الشعب والحريات المحلية. ولقد كان الظهور للأحزاب في بداية السبعينيات ظهوراً هشا وتصادميا تعتمد على أساليب تقليدية في برامجها السياسية، وكانت الأحزاب في تلك الفترة متخبطة بعبودية غريبة تارة باسم تمجيد التراب الوطني بطريقه متدنية، وتارة باسم الحاكم المستبد خوفاً من القمع السياسي لأجهزته البوليسية، وظلت الأوضاع على تلك الحالة حتى عصر الاتحاد بين الدولتين اليمنيتين.. ومن هنا ظهرت على السطح تطورات سياسيه تقدميه كإقرار دستور الاتحاد الاندماجي وإعلان الانتخابات العامة البرلمانية والمحلية والرئاسية وإقرار مبدأ التداول السلمى للسلطة بين عموم الأحزاب اليمنية وإقرار التعددية الحزبية ومبدأ حق الاجتماع السياسي لعموم المواطنين ولكافة الأغراض والغايات السامية تحت أي طارئ سياسي أو ديني، ولقد تم اشهار الكثير من الأحزاب الدينية السنية منها والشيعية وتشكلت الأحزاب المدنية الديمقراطية منها والاشتراكية والمؤكدة في برامجها لنظريات النهضة والتنوير والحداثة والعولمة مع الاحتفاظ الجاد والمسؤول لأصول واتجاهات ديننا الإسلامي الحنيف ولا يجد الإنسان نفسه إلا أن يكون سعيدا أمام هذا الكم المعلوماتي الهائل لكافة الأحزاب اليمنية التقليدية منها والحديثة.. وكما سبق لنا في بعض الفصول السابقة من تأكيد الجموح الشعبي اليمنى الهائل نحو الحريات وخاصة بعد 2011وامتدادا الى ما بعد 2014.. فقد أصيبت الأحزاب التقليدية في مقتل جراء تلك الثورات المحلية الرهيبة وأصبحت مناهجها وأنظمتها السياسية غير موائمة للوقت والعصر وتم اشهار احزاب جديدة، ولكن وللأسف الشديد فقد كانت تنقصها المناورات السياسية و التجربة والخبرة والجرأة على الظهور والتأثير فظهرت الأحزاب جميعا بنوع من الهشاشة تخطو بخطوات مرتبكه يسود اغلبها الجهل لكافة العلوم السياسية والاقتصادية المؤكدة للنهضة والأمن والعمران. وتداخلت الأحزاب مع بعضها البعض في مراشقات وصدامات عنيفة تدل على عدم وجود الوطنية السامية والتستر خلف المصلحة العامة لنيل المقاصد الشخصية الأثيمة الدالة على الأصول الوضيعة لكل الساعين نحو دروب العمالة الخارجية والخيانة لعموم اليمانيين الكرماء.. إن المفاهيم الحقيقية من وراء إنشاء وإشهار الأحزاب هو السير نحو تأكيد البناء والنهضة والعمران، وتأكيداً للأصول القيادية السامية والنزيهة والأمينة والزاهدة عن مقدرات الأمة اليمانية الشماء، وذلك من خلال توجيه الأحزاب اليمنية المتنوعة نحو الحرية والمساواة الوطنية والتعاون بين كافة الأحزاب لبناء الوطن وبث الأمن والاستقرار وتنمية وإسعاد المواطنين، وما عدا ذلك خزعبلات سياسية تحكمية بائدة بمقدرات ونفسيات الشعب اليمنى الأصيل، الجاثم تحت نير سوء الطالع والحظ البائس جراء تصدى الأشرار من الوضيعين للمناصب القيادية العليا.. فالضعف الحزبي وسوء النية وعدم البسالة والتحايل ضد المواطنين قد امسى أمراً لا يطاق يجب التصدي له من الأحزاب اليمنية الشريفة فأعمال وبرامج الخدمة الوطنية والسهر من اجل امن وممتلكات المواطنين وتقديم برامج حزبيه تتقيد بأهدافها السامية وفق أجندات تنفيذية صادقة وفى فترات زمنية محددة هي من الأمور والأعمال المؤكدة والجادة وفق أولوية الأحزاب اليمنية السائرة نحو البناء والنهضة والتنوير وفتح جوانب الخيرات لعموم المواطنين، والظهور بمظهر مشرف أمام دول الجوار والعالم باسره. ونحن في دولتنا الاتحادية لدينا من الأحزاب الكثير الكثير ومتنوعة التوجهات السياسية والدينية، وهذه نعمه يعلمها الأبناء قبل الآباء، ولا ينقص هذه الأحزاب إلا أن تفهم أسباب نشأتها وطبيعة توجهاتها وان تسمو تاركة مواطن التطرف السياسي والحزبي والجهوي، لأنها بهذا التطرف قد تمزق الأمة إرباً إرباً، وتقضي على الوطن والأحوال المعيشية للمواطنين.. ولابد لجميع الأحزاب اليمنية ان تتعاون وفق نظريات التعايش السلمى بين الأحزاب لتسمو الأعمال وتتفاعل مع بعضها البعض سواء كانت في الحكومة أو المعارضة وتسير سواء بسواء نحو دروب وآفاق الحرية والنهضة والاستقلال والاستقرار والرفاه لكل أفراد الشعب اليمني العظيم..
نبيل صالح المراني
الأحزاب اليمنية والدولة المدنية الحديثة 1158