النجاح حلم يتلألأ في مخيلة كل محبي التميُّز, وحادٍ يحرِّك وجدان سالكي طرق الإبداع , الراغبين في صناعة الحياة والتأثير فيها , ووضع بصمة واضحة على محيطهم وتاريخهم.
إنه هاجس لا يهدأ, وهمَّة لا تفتر, ودافع لا يقهر, وإن نحن دققنا النظر فسنجد أنه قلَّما يدرك الشخص المتميز أنه في مقدمة طابور الناجحين !!
بل سنكتشف أن الكثير من الناجحين لا يدركون مفردات التركيبة السحرية التي وضعتهم على سلم النجاح ودفعت بهم لبلوغ أعلى درجاته !!
وهنا تتجلى أهمية "النمذجة" البشرية , ووضع قواعد محددة لبلوغ أقصى درجات النجاح ؛ لمساعدة الراغبين في اللحاق بركب الناجحين لاكتشاف الآليات الصحيحة للوصول إلى النجاحات المستمرة, وكذا لتبصيرهم بنقاط القوة الكامنة في ذواتهم وتمكينها , وتعلم إمكانات استثمارها الاستثمار المُجدي للوصول إلى القمة في أقصر وقت وبأيسر وسيلة!
قام العديد من الخبراء المختصين في مجال التنمية البشرية والإنجاز الشخصي بعمل دراسات واستقراءات كثيرة حول موضوع النجاح , خلصوا منها إلى أن الناجحين يتصفون غالباً بصفات معينة كانت هي السر وراء نجاحاتهم الباهرة وتميُّزهم بين أقرانهم , ثم بيّن الخبراء الآليات التي اتبعها هؤلاء الناجحون فدفعت بهم نحو قمم النجاح في وقت قياسي .
سنعرض لمجموعة صفات للشخصية الناجحة يمكن لأي منَّا بالمران والمحاكاة الجادة تمثلها في ذاته وجعلها أسلوب حياة وسلوك شخصي سيوصلانه بإذن الله وتوفيقه لما بلغه أولئك الناجحون من تفرد وتميز وإنجاز.
1ــ الصدق والأمانة:
وهما الصفتان اللتان اتَّسم بهما الرقم واحد المتربع على قمة سلم التميز البشري , صاحب النجاح المنقطع النظير في الإنجاز وصناعة الحياة ,حبيبنا محمد" صلى الله عليه وسلم" فقلَّما تجد شخصاً يُطلَق عليه لقب" ناجح" دون أن يكون متحلياً بهاتين الصفتين, بل هما عاملان لازمان لاكتساب صفات الخيرية عموماً في النوع البشري.
والصدق يتدرج ابتداءً من صدق مع الله وصدق مع الذات يشع منهما صدق مع الغير؛ صدق في العزم والهمة والأداء؛ صدق في القول والفعل.
ويفرز ذلك بدوره قدرة فذة على حمل الأمانة بجميع مفرداتها الواسعة والتي تعني الإحسان في جميع ما نصنع لإعمار القلوب والبيوت , وكافة منظومات الكون الشاسع.
2 ــ الإيمان والاعتقاد:
إيمان بسعة كرم الله , ومنحه العناية والتوفيق لجميع الراغبين في إعمار الدنيا ونفع الإنسانية, بل إنا إن تأملنا فسنجد التوفيق الإلهي لا يخص المؤمن الموحد فحسب بل يعم كل إنسان مُجد في عمله ,فها نحن نرى جلياً أن النجاح صار حليفاً لغير المسلم في الشرق والغرب بشرط أن يملأ صدره إيماناً واعتقاداً بأنه نافع للبشرية, وأنه سيتمكن من إنجاز ما يصبو إليه..
بل المفارقة المدهشة أنه حتى لو أقبل على عمل شرير بهكذا معتقد فإنه يوفق!!
إذاً فهي سنة جارية في الخلق.. ثق بعون الله لك , وثق بذاتك , واعتقد بقدراتك, وبإمكانية ما تصبو إليه.. "غيّر قناعاتك بصورة سريعة كي تساندك في تحقيق أهدافك التي تتوق إليها" .
3ــ الشَّغَف:
وقد تم اختيار هذه الكلمة بدقة ؛ فهي مأخوذة من شِغاف القلب وهو جلد رقيق يغلِّف القلب , ومنه قوله تعالى" شغفها حباً" !
أحبب ما تصنع حباً يملك عليك قلبك , يجعلك لا تشعر بتعب أو نَصَب في سعيك الحثيث للظفر بإنجازك , واستمر هكذا في جميع ما تفعله..
وهذه الصفة تجعل صاحبها يشع حماسة ويوحي للآخرين بإمكانية الاعتماد عليه , ومن ثمّ سينال أروع الفرص وتفتح له مغاليق الأبواب والقلوب ؛ فهو ذو شخصية جذابة ساحرة ومؤثرة ومقنعة , يحب الجميع الاقتراب منه والتعامل معه !
4ــ وضوح القيم:
"ليس لدى العديد من الناس فكرة واضحة عمَّا هو مهم بالنسبة لهم"..!
وعندما نتأمل في سِيَر من حققوا النجاحات الباهرة فإننا نجدهم ــ في الغالب ــ أناساً لديهم شعور أساسي واضح بما هو ضروري فعلاً؛ ولتصل لما وصلوا إليه قم من فورك بكتابة قائمة بمنظومة القيم التي تلتزم بها في حياتك وتشعر أن الحياة تصبح غير ذات معنى بدونها, مثلاً: الدين , الصدق ,الوطن ,الوالدان...إلخ
وستدرك أهمية ذلك عندما تبدأ بالتخطيط ووضع استراتيجياتك والتي ينبغي أن تحرص على ألاَّ تناقض قِيَمك الأصيلة. ثق بما أقوله:
إن عشت دون قيم فربما ستحقق نجاحات عدة , لكنك ستبقى هشاً من الداخل, خالٍ من العمق والأصالة, وحتى إن بلغت أهدافك على حطام القيم الرفيعة فلن تشعر بالسعادة الحقيقية مطلقا !!
5_ الاستراتيجية :
التخطيط البعيد, والقريب المدى يمثل الركيزة الأساسية للإنجاز, واللازمة الأكيدة للنجاح وكما قيل :من لم يخطط للنجاح فقد خطط للفشل. والسؤال ألآن " هل لديك خطة استراتيجية مكتوبة ؟
6ــ الطاقة والنشاط :
" من شبه المستحيل أن يتكاسل المرء في المضي قدما نحو التفوق, فالمتفوقون يغتنمون الفرصة ويشكلونها وهم يعيشون كما لو كانوا قد أصيبوا بالهوس بالفرصة الرائعة كل يوم , وبأن الوقت هو الشيء الوحيد الذي لا يملك أي إنسان غايته منه".
لقد علمنا حبيبنا محمد "صلى الله عليه وسلم" الاستعاذة من الكسل صباحاً ومساءً وقال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف..
الناجحون طاقتهم دوما وفيرة , ويشعر من يراهم بأنهم يتمتعون بصحة عالية , وهم دوما لديهم القدرة على الاستمتاع بالحياة وبإنجازاتهم بسبب هذه الطاقة العالية التي يتمتعون بها,وهي عبارة عن مزيج من الروح المعنوية العالية والاهتمام بالصحة البدنية .
حفز نفسك دوما بالعبارات الإيجابية , وراقب ما تأكل وتشرب وكيف تنام وماذا تلبس؟!
بدنك هو مركبتك التي تحملك إلى عوالم النجاح فاعتني بها.
7ــ القدرة على الارتباط:
" يشترك جميع الناجحين تقريباً في قدرة غير عادية على الارتباط بالآخرين ,وهي القدرة على الاتصال وإقامة علاقات حميمة مع أناس من مختلف البيئات والمعتقدات".
وقد رُوي في الحديث: "المؤمن إلف يؤلف" , وفي العلوم الإدارية الحديثة أضحى الذكاء الاجتماعي هو الفيصل في تقييم كل متقدم لشغل وظيفة ماً, بل غدا المرجح لكفَّة الميزان لصالح المتقدم الذي يتمتع بهذه القدرة على التواصل الفعال.
8ــ إتقان وإجادة فن الاتصال :
" إن طريقة اتصالاتنا مع أنفسنا ومع الآخرين تحدد في نهاية المطاف جودة حياتنا" .
وكما يقال: إن جودة النتائج من جودة المشاعر .وقد غدت أدوات الاتصال هي أدوات السلطة في عصرنا الحالي.
والاتصال الجيد بدايته اتصال جيد بالله جل وعلا؛ وهو مفتاح فهم الذات والاتصال بها,قال تعالى" نسوا الله فأنساهم أنفسهم" "الحشر19" .
من أجل اتصال فعال بالآخرين , والتعاطي الجيد مع الحياة , لابد من الاتصال العميق بالذات وبلوغ أعلى مستويات الوعي بها, وهناك شبه اتفاق على أن الشخصية الجامعة لذاتها شخصية جامعة لقلوب من حولها ولمفاتيح النجاح في يدها !
أخيراً :
النجاح شيء يستحق بذل الجهد لنيله , وله مفاتيح بإمكانك امتلاكها بمجرد أن تقرر ذلك !
نبيلة الوليدي
نمذجة النجاح !! 1423