بدأ الربيع العربي قوياً بعنفوان الشباب الهادر مزلزلاً لأوكار الطغيان والفساد والاستبداد بسرعة قياسية غير مسبوقة وكان الشباب العربي وقوده المتقد.. هز أركان النظام العربي المترهل والجاثم على صدر الأمة عقودا من الزمن.. فأحرق الديناصورات العربية وتساقطت الأنظمة الفاسدة كأوراق الشجر.. من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن.. والحبل على الجرار.. وأزهرت الأحلام ندية في الصدور المتطلعة إلى واقع عربي أكثر إشراقا.

ولكن بنفس السرعة والقوة سقط الربيع العربي.. وتلاشت أضواؤه في ليل الثورات المضادة الدامس.. وتكالبت قوى الاستكبار العالمي على قصعة الربيع العربي من كل حدب وصوب لأنه جاء بالإسلاميين إلى سدة الحكم.. وتلك هي القشة التي قصمت ظهر الربيع العربي.

لقد تكالبت الجوارح الكاسرة على عصفور الربيع العربي الغض فأجهضت الثورات الشبابية السلمية الرائعة وعادت حليمة لعادتها القديمة, وأعيدت الشعوب إلى حظيرة الفساد والاستبداد من جديد.. ويا فرحة ما تمت.. سقطت مصر بانقلاب أسود.. ثم تعثرت الثورة السورية حين وقعت في فخ التآمر الدولي.. وتشطرت الثورة الليبية.. وتاهت الثورة اليمنية.. وأخيرا السقوط الناعم للثورة التونسية.. فتونس حتى في سقوطها مسحة ثقافية مترفعة عكس أخواتها تماما.

وعاد النظام العربي من جديد إلى سدة الحكم.. عبر الانتخابات كما في تونس وبالوقاحة كما في مصر وبالتآمر العالمي كما في سوريا وليبيا وبسرقة الثورة كما في اليمن.. وأظهرت الشعوب العربية – في الغالب- أنها مازالت (تحن) للماضي البائس وأنها لا تفكر مجرد تفكير بالمستقبل ولا تستحق أن يضحي من أجلها الثوار بأغلى ما يملكون لإخراجها من دياجير الظلم وبراثن الفساد والاستبداد.. فكأنها شعوب ميتة لا تستحق الحياة الحرة الكريمة.. وما يدعم هذا الفهم ما قاله ثوارها في أكثر من قطر عربي حين يئسوا من حياتها.. فهذا سعد زغلول في مصر قال (ما فيش فائدة يا فاطمة) حين عجز عن سوقهم إلى المستقبل.. وما قاله الثائر اليمني الثلايا (تبا لشعب أردت له الحياة وأراد لي الموت) ردا على موافقة الجمع الشاهد في ساحة الإعدام على قتله.

كنا نظن أن الجهل والتخلف الفكري خاص باليمانيين فإذا بثورات الربيع العربي تكشف لنا بوضوح عورة العقل العربي الجمعي وأن (الحال من بعضه) في كل الأقطار العربية بلا استثناء.

انظروا معي إلى هذه الحقائق المؤلمة:

- مصر- على جلالة قدرها بين الشعوب العربية- تقبل بجاسوس يرأسها ويحرق أبناءها في الشوارع فيصفق له الجمع الجاهل!!.

- سوريا.. ترفض سقوط بشار الأسد بعد كل هذا الدمار والخراب وأنهار من الدماء والأشلاء وشعار: الأسد أو نحرق البلد!!.

- اليمن.. يصر قطاع كبير من الشعب على مناصرة من قتلوه, ظلموه ونهبوا كل خيراته والقطاع الباقي يناصر رئيسا فاقدا للشرعية بتآمره على الشعب والوطن وإدخاله في هاوية الردى ومازال له مناصرون!!.

- ليبيا يعاد متقاعد إلى العمل (اسمه خليفه حفتر) وكأن ليبيا لا تلد الرجال فيدخلها في أتون حرب أهلية ويحاول إجهاض الثورة تمهيدا لعودة النظام القديم.

- وأخيرا تونس ينتخب غالبية الشعب رئيسا هذه مواصفاته:

- من مواليد عام 1926م.

- عاصر الحرب العالمية الثانية.

- عاصر النكبة 1948م.

- عاصر النكسة 1967م

- كان عمره "45" عاماً عندما حلقت أول طائرة في التاريخ.

- هو أقدم من الأمم المتحدة ومن عمر الاحتلال الصهيوني.

- السيارات المصنوعة في تاريخ ميلاده توضع في المتاحف كقطع أثرية.

- عاصر ستالين وهتلر وعمر المختار.. ماتوا جميعا وبقي هو ليقود الثورة الشبابية عام 2014م!!!.

ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم!!!