رغم كل ما قاله خصوم الدكتور ياسين سعيد نعمان من تشكيك بخصوص صدق نواياه بتركه لقيادة الحزب الاشتراكي، إلا أنه فعلها، وصار الاشتراكي بذلك ثاني حزب رئيس يُحدث التغيير في قيادته منذ ثورة فبراير الشعبية بعد التنظيم الناصري، وقد صارت الكرة الآن في ملعب بقية الأحزاب، وعلى رأسها تجمع الإصلاح والمؤتمر الشعبي.
لكن الدكتور ياسين نحسب أنه قد صدم بعض محبيه – وأنا منهم – عندما أراد أن يجعل رحيله عن قيادة الاشتراكي تبدو وكأنها تشييع لتحالف اللقاء المشترك، حيث علق ياسين على مدى حاجة الوطن اليمني لبقاء تكتل المشترك بقوله: "هناك حديث عن المشترك، في الحقيقة لم يعد هناك قضايا مشتركة بيننا، القضايا المشتركة هي السلام ونبذ قيم الحروب، ومن يأتي معنا تحت هذا الشعار فأهلاً".
وذلك ما جعلنا نقف هذه الوقفة النقاشية مع تصريح الدكتور ياسين، لنعرف هل بالفعل لم يعد هناك قضايا مشتركة بين أحزاب المشترك؟ وسيتطلب منا الإجابة على ذلك السؤال معرفة ماهية القضايا المشتركة، التي قام من حولها تكتل اللقاء المشترك. وفي ذلك الإطار يمكن تحديد تلك القضايا بثلاث قضايا رئيسة، متمثلة بإسقاط مشروع الحكم العائلي، وتبني مشروعاً للحوار الوطني يخرج اليمن من النفق المظلم، الذي تردت فيه، ثم تبني مشروع بناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة.
ودعونا هنا نرى ما الذي أنجزه المشترك من قضاياه المشتركة لنعرف هل بالفعل أن الحاجة لبقائه قد انتفت وانتهت؟
وبخصوص إسقاط مشروع الحكم العائلي سنجد أن ما حدث كان سقوطاً شكلياً صار في طريقه للعودة سالماً غانماً، ولكن هذه المرة بالتحالف مع حكم عائلي جديد يتخذ من القداسة شعاراً، ويعتبر أن حكمه لليمن حقاً إلهياً، وذلك بعكس المشروع السابق، الذي كان ينطلق من منطلقات سياسية يمكن لنا مناقشتها وتفنيدها.
أما إنجاح مشروع الحوار الوطني، فرغم الانتهاء من مؤتمر الحوار الوطني إلا أن مخرجاته صارت في مهب الريح ولم يعد يتحدث عنها أحد، وصارت تختصر في بنود اتفاق السلم والشراكة التي صيغت على عجل، وفي خارج اليمن كما فهمنا من تصريح للدكتور الإرياني؛ ومع ذلك فقد صار هو الآخر مجرد حبر على ورق.!
وسنكتفي هنا بمجرد وضع تساؤل حائر أمام الدكتور ياسين وقيادة الحزب الجديدة عن كيفية تنفيذ ما نص عليه البيان الختامي لمجلسهم الحزبي بخصوص مخرجات الحوار الوطني، حيث شدد المجلس على "الإسراع في استكمال صياغة مخرجات الحوار الوطني وتحويلها إلى موجهات دستورية وقانونية وموجهات سياسية عامة، تنتظم في إطار دستوري عصري، يعكس بدقة مضامين تلك المخرجات دون زيادة أو نقصان، ليغدو بعد الاستفتاء الشعبي عليه ملزماً للجميع".!
أما بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة فأستاذنا العزيز ياسين سعيد نعمان يعرف أنها لم تكن بعيدة المنال يوم تأسس المشترك مثلما صارت اليوم. وإذا أضفنا إليها المشترك الجديد الذي أشار إليه الدكتور ياسين متمثلاً بالسلام ونبذ قيم الحروب.. سنعرف بأن القضايا، التي قام من حولها تحالف المشترك لم تنتهِ، بقدر ما أضيف إليها مهمة جديدة فقط.
كل ذلك يقودنا للاستنتاج بأن الدكتور ياسين عندما صرّح بانتهاء القضايا المشتركة التي جمعت بين أحزاب المشترك لم يكن يقصد ذلك بالمعنى الصريح، لكنه كان يسجل عتباً على شركائه في اللقاء المشترك – خصوصاً الإصلاح والناصري – عندما رفضوا مشروع الاشتراكي بخصوص فيدرالية الإقليمين، وهو ما بدا واضحاً من قوله في العبارة التالية: "إن الحزب شارك في مؤتمر الحوار الوطني برؤية منفردة لحل القضية الجنوبية، ورؤى لمختلف القضايا عن بقية الأحزاب اليمنية المشاركة في المؤتمر".
ويؤكد ذلك عدم تطرق البيان الختامي للمجلس الحزبي لانتهاء القضايا المشتركة، وبدلاً عن ذلك أكد على "ضرورة التقييم النقدي الموضوعي لتجربة اللقاء المشترك خلال الفترة المنصرمة، والاستفادة منها في إعادة صياغة سياسة التحالفات والشراكات الوطنية، كضرورة ملحة لمواكبة المستجدات الراهنة, وتلبية استحقاقات المرحلة الانتقالية التأسيسية القادمة".
إذاً القضية لا تتمثل بانتهاء القضايا المشتركة التي جمعت بين أحزاب تحالف المشترك بقدر تمثلها في رغبة تتبدى لدى الاشتراكي بصياغة تحالف جديد يجمعه مع قوى اليسار وغيرها من القوى القريبة منه، وهو ما طالب به البيان الختامي في موضع آخر، عندما كلف اللجنة المركزية والهيئات القيادية للحزب أن "تعمل على تعزيز وتطوير التحالفات الثنائية والجمعية مع القوى السياسية الوطنية وقوى اليسار, وتفعيل النشاطات المشتركة، والارتقاء بتحالفاتها وتمتينها، وإدارة حوارات ثنائية جادة للتوافق على صيغة مشتركة".
ولا أدري إن كان الاشتراكي يدرك أنه بذلك يقود البلد إلى تحالفات أيديولوجية متناحرة، بحيث يقود هو تحالف يساري. ويذهب الإصلاح لقيادة تحالف إسلامي مع القوى المحسوبة على التيار السني. بينما تذهب جماعة الحوثي في تحالفها مع المؤتمر وفقاً لأسس جهوية (زيدية) تتبنى منطق الهيمنة التاريخية (للمركز المقدس)!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أمام قيادة الاشتراكي هو: كيف تتوافق عملية الدعوة لقيام تحالفات أيديولوجية على أنقاض تحالفات قامت وفقاً لمبادئ وطنية؟ أقول كيف يتوافق ذلك مع قول الحزب الاشتراكي "إن الظروف الراهنة تحتم على القوى الحاملة للمشروع السياسي أن تعمل بقوة من أجل استعادة المبادرة على قاعدة إن أساس الصراع في اليمن صراع سياسي واقتصادي واجتماعي،وأنه لا وجه للصراع من منطلقات إيمانية إلا عندما يراد تحويله إلى فتنة وفساد في الأرض".
نعم أنا كنت من الداعين – قبل الاقتحام المؤتمري الحوثي لصنعاء – لقيام قوة ثالثة تفصل بين ثنائية الصراع القائمة آنذاك يكون عمودها الفقري متمثلاً بالحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري، لكن تلك الدعوة كانت تنطلق من كونهما حزبين وسطيين وليسا يساريين. إلى جانب أن تلك الثنائية قد انتهت بسيطرة القوة المقتحمة على كل مقدرات الدولة وشؤونها، ما يجعل التكتل مع القوة التي تم على حسابها ذلك الأمر يشكل عاملاً للتوازن.
خلاصة القول: تكتل اللقاء المشترك شكل ظاهرة صحية رائدة على الساحة اليمنية والعربية عندما انتج لنا تحالفاً يقوم على أسس وطنية بغض النظر عن الأيديولوجيات المتعددة لأحزابه (يسارية ، قومية ، إسلامية بمدارسها لمختلفة). والحل إنما يكمن في توسيعه وتصحيح اختلالاته وليس بالقضاء عليه، وهو ما عبرنا عنه في مقال سابق باسم (المشترك الجديد)..
وذلك يمكن أن يتم وفقاً لفقرة أخرى وردت في البيان الختامي للمجلس الحزبي الاشتراكي عندما دعا للتحالف مع "القوى الاجتماعية والأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة، التي تلتقي على قاعدة الأهداف والمهام البرامجية الانتقالية الوطنية الديمقراطية الكبرى, المتضمنة في مخرجات الحوار الوطني, والتي تؤسس لشراكة وطنية واسعة في إطار ائتلافات وتحالفات كبرى, قادرة على النهوض بمهام بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة, والانتقال الآمن إلى الديمقراطية".
وقطعاً لا نريد أن نقول هنا بأن البيان الختامي للمجلس الحزبي كان متناقضاً، بقد رغبته في التوفيق بين وجهات النظر المختلفة، التي طُرحت من قبل أعضائه.. مع تهانينا للقيادة الجديدة وتمنياتنا لها بالنجاح الباهر، وعلى رأسها الدكتور عبدالرحمن السقاف والأستاذ يحيى أبو إصبع والدكتور محمد المخلافي. ودعواتنا القلبية لأستاذنا القدير الدكتور/ ياسين بخالص التوفيق في مهامه الجديدة.
د. عبدالله أبو الغيث
ياسين والاشتراكي والمشترك 1211